أما صاحب القلب المسكين فرأى الضحكة التي ألقت بها صاحبته وهي ترقص حين عرفته - غير ما رأيتها أنا غير ما رأى الناس. كانت لنا نحن ابتساما عذاب من فم جميل يتم جماله بهذه الصورة، وكانت له هو لغة من هذا الفم الجميل يتم بها حديثاً قديماً كان بينهما. واعترانا منها الطرب واعتراه منها الفكر، ووصفت لنا نوعاً من الحسن ووصفت له نوعاً من الشوق، ومرت علينا شعاعاً في الضوء ووقعت في يده هو كبطاقة الزيارة عليها اسم مكتوب. . .
وقوى إحساس الراقصة الجميلة بعد ذلك فانبعث يدل على نفسه ضروبا من الدلالة الخفية، ورجعت بهذا الإحساس كالحقيقة الشعرية الغامضة المملوءة بفنون الرمز والإيماء وكأنها زادت بهذا الغموض زيادة ظاهرة، وللمرأة لحظات تكون فيها بفكرين حينما يكون أحد الفكرين ماثلاً أمامها في رجل تهواه؛ ففي هذه الساعة تتحدث المرأة بكلام فيه صمت يشرح ويفسر، وتضطرب بحركة فيها استرخاء يميل ويعتنق، وتنظر بألحاظ فيها انكسار يأمر ويتوسل، وكانت هي في هذه الساعة. . . فغلبت والله على صاحبها المسكين وتركت نفسه كأنها تتقطع فيه من أسف وحسرة؛ ثم كانت له كالزهرة العبقة بينه وبينها جمالها وعطرها وهواؤها والحاسة التي فيه.
وجعل يستشفها من خلال أعضائها وهي ترقص، ثم قال لي: انظر ويحك! لكأن ثيابها تضمها وتلتصق بها ضم ذي الهوى لمن يهوى.
قلت: ما هي إلا كهاتين اللتين ترقصان معها: امرأة بين امرأتين وإن كانت أحسن الثلاث.
قال: كلا، هذه وحدها قصيدة من أروع الشعر تتحرك بدلا من أن تقرأ، وترى بدلا من أن تسمع؛ قصيدة بلا ألفاظ ولكن من شاء وضع لها ألفاظاً من دمه إذا هو فهمها بحواسه وفكره وشعوره.
قلت: والأخريان؟
قال: كلا كلا، هذا فن آخر، فالواحدة من هؤلاء المسكينات إنما ترقص بمعدتها. . . ترقص للخبز لا غير. أما (تلك) فرقصها الطرب مصنوعاً على جسمها ومصنوعاً من جسمها؛ إنها