قبل هجرة محمد صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية عشرة من ليالي ذي الحجة بعد أن قضى الناس حجهم خرج جماعة من رحالهم المضروبة في وديان منى وضواحيها بعد أن مضى الثلث الأول من الليل، خرجوا يتسللون تسلل القطا يمشون الهوينا، فلا يسمع وقع خطاهم على الأرض أحد كأنما يخافون أن يشعر بهم الناس. خرجوا فرادى وجماعات، وكلهم يقصد جهة معينة هي العقبة، وكلما وصل إليها فوج منهم نزل بها حتى كملوا سبعين رجلاً
جلسوا يتناجون في صوت خفي، لا يسمع إلا همسهم وتتابع أنفاسهم. جلسوا كأنما ينتظرون قادماً يقدم عليهم كانوا معه على ميعاد. . .
وبينما هم كذلك إذا برجلين قد أقبلا يؤمانهم، ويريدان مكانهم، فلما تبينوهما خفوا إليهما، ونهضوا فسلموا عليهما. وكانت هذه الجماعة من سكان يثرب من الأوس والخزرج، وكان هذان القادمان عليهم محمد بن عبد الله وعمه العباس بن عبد المطلب
وكانا معهم على ميعاد
ليت شعري ما الذي حفز هذه الجماعة على أن تخرج من رحالها وتقصد هذا المكان القصي؟ وما الذي حفز محمداً وعمه العباس أن يتركا منزليهما بمكة ويسيرا تحت ستار الليل والناس نيام ويوافياهم عند العقبة؟ كان محمد يريد الهجرة إلى المدينة وكان يريد أن يعقد مع أهلها معاهدة سرية على أن يحموه ويعززوه وينصروه.
فلما جلسا وجلس الناس حولهما، تكلم العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له فقال:(يا معشر الأوس والخزرج إن محمداً منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا، وهو في عز من قومه ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانقطاع إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، وما نعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم، فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده)
فلما انتهى العباس من كلامه قالوا له: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، وخذ لنفسك