غادرنا باريس في منتصف الليل قاصدين إلى سويسرا؛ وإذا كنا قد هبطنا باريس فرحين مغتبطين بزيارتها والتمتع برؤية معالمها ومعاهدها التاريخية، فقد غادرناها أيضاً دون أسف، بعد أن تركت في نفوسنا صوراً أخرى غير تلك الصور الخلابة التي ألفناها في كتب الأدب وفي المقالات والفصول الرنانة؛ وسار بنا القطار ينهب الأرض ليلاً متجهاً نحو الالزاس، فلما أسفر الصبح كنا نخترق أراضي الالزاس مارين بتلك المواقع الشهيرة في تأريخ الحرب والسياسة مثل بلفور وميلهوز وغيرهما؛ وقد لاحظنا مذ بدأنا نجوز الالزاس أننا نكاد نخترق أرضاً غير فرنسية، فالناس يتحدثون بالألمانية المحرفة (أو الألزاسية) في كل مكان حتى موظفي القطار يخاطبون الركاب بالألمانية، وكل ما هنالك من طبيعة ومناظر وأشخاص يكاد ينطق بأن الالزاس ليست فرنسية في طابعها وفي روحها، وإن كانت السياسة ومصاير الحرب قضت بأن ترد الالزاس واللورين إلى فرنسا عقب انتصارها في الحرب الكبرى.
ووصلنا إلى الحدود السويسرية في الصباح الباكر، ودخلنا محطة بازل (أوبال) حيث أجريت الإجراءات الجمركية في أدب وظرف؛ وشعرنا في اللحظات القليلة التي مرت حتى وصولنا إلى الفندق أننا نجوز إلى محيط آخر أرقى خلالاً ومدنية من محيط فرنسا والشعوب اللاتينية كلها؛ وإنك لتأنس نفس الشعور عندما تخترق الحدود الإيطالية مثلاً إلى النمسا، فتشعر في الحال أنك غادرت في إيطاليا محيطاً أقل مدنية وخلالاً وسويسرا موطن السياحة بحق، والسياحة أهم مواردها القومية، ولهذا تعني ولايات الاتحاد السويسري ومدنه المختلفة بتنظيم شؤون السياحة أحسن تنظيم وتذيع عن سويسرا ومصايفها ومشاتيها ومناظرها ونزهها نشرات بديعة جذابة، وتعني بتنظيم كل ما يتعلق براحة السياح ورفاهتهم مثل الفنادق والمطاعم وطرق المواصلات والألعاب والنزه ولاسيما النزه واللعاب الشتوية الجبلية والثلجية التي اشتهرت بها سويسرا؛ والفنادق السويسرية حسبما رأيناها في بازل وتسيريخ (زيوريخ) فنادق من الطراز الأول من حيث النظام والنظافة وما يتجلى فيها من