للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قضايا التاريخ الكبرى]

من قضايا السحرة

صفحة من الجرائم المروعة

للأستاذ محمد عبد الله عنان

يعتبر عصر لويس الرابع عشر أعظم عصور التاريخ الفرنسي، لا من وجهة السلطان الباذخ فقط، ولكن من الوجهة الاجتماعية والفكرية أيضاً؛ فكما أنه عصر الفتوحات العظيمة، فهو أيضاً عصر تقدم فكري واجتماعي ساطع؛ ولم تبد الملوكية الفرنسية من قبل قط بمثل ما بدت به في عصر لويس الرابع عشر من العظمة والبهاء، ولم يزدهر المجتمع الفرنسي مثلما أزدهر في هذا العصر؛ وفيه تتفتح العبقرية الفكرية إلى الذروة، ويحتشد النبوغ الفكري أيما احتشاد، هو (القرن الأعظم) كما ينعت في التاريخ الفرنسي، وهو عصر (الملك الأعظم)؛ وهو عصر كورني وراسين وراسان ولافونتين وجمهرة كبيرة أخرى ممن يزدان بهم التاريخ الفرنسي

بيد أن هذا البهاء الساطع الذي يشع به (القرن الأعظم) تغشاه الظلمات في كثير من النواحي؛ ففيه يتكشف ذلك المجتمع الباهر عن ثغرات خطيرة من الانحلال الخلقي والاجتماعي؛ وفيه تزدهر الجريمة، وتنحط النفس البشرية إلى ضروب شائنة من الفساد والإثم تخلق بأشنع العصور

في سنة ١٦٧٦ كشفت مأساة السموم الشهيرة التي أخذت فيها المركيزة دي برانفلييه بطائفة من الجرائم المروعة عن طرف من تلك الأثام الخفية التي تجثم وراء مجتمع زاهر؛ وكان ذلك الحدث المدهش مفاجأة مروعه لمجتمع ذلك العصر؛ فقد ظهر أن السم - ذلك السلاح الخفي الغادر - يحصد علية القوم حصداً، وأن كثيراً، وأن كثيراً من الوفيات الفجائية المريبة التي وقعت في تلك الفترة إنما هي جرائم قتل شائنة ترتكب في سبيل الانتقام والمال والهوى

بيد أن جرائم المركيزة دي برانفلييه كانت جرائم فردية، وكانت محدودة المدى، ولم تكن شيئاً يذكر إلى جانب ذلك الثبت الحافل من جرائم هائلة مثيرة معاً تبث الروع الخفي

<<  <  ج:
ص:  >  >>