الصامت إلى المجتمع الباريزي وتصمه بحمأة العار والاثم، ويدمغ شينها المثير أرفع الرؤوس والمقامات في ذلك المجتمع الأنيق الباهر
كانت جرائم (السحرة)، وذيوع الخرافات السحرية بين علية القوم، ومزاولة هذه الرسوم الوثنية الشائنة، والتماسها وسيلة لتحقيق أحط الشهوات البشرية، من ظواهر ذلك الانحلال الخفي الشامل الذي يغشى عظمة (العصر الأعظم)
كان السحر من الأمور التي طبعت أذهان العصور الوسطى بطابعها القوي؛ وكانت مزاولة السحر جريمة يعاقب عليها القانون في تلك العصور بأشد العقوبات؛ وكان يعتبر من السحر كل مالا تسيغه عقلية هذه العصور من الأمور المدهشة حتى ولو كانت مما يدخل في حيز الاكتشافات العلمية كمزاولة السيميا أو البحث عما يسمونه حجر الفلاسفة، والتجارب الكيميائية المدهشة؛ وكان السحر دائماً وسيلة الأجرام، ترتكب باسمه وفي ظله أشنع الجرائم الدموية والأخلاقية؛ وكان هذا النوع من السحر الملوث بحمأة الجريمة، والذي تخضب رسومه الفظيعة في معظم الأحوال بالدماء البشرية، يسمى (بالسحر الأسود) أو السحر الذي يقصد به وجه (الشيطان)
ولم تكن عقلية القرن السابع عشر بعيدة عن هذه الأوهام الشائنة، بل كانت تتأثر بها أيما تأثر؛ وكان المجتمع الرفيع الذي يحفزه حب المال أو لوعة الهوى أو ظمأ الانتقام أو غيرها من الشهوات البشرية أو المثالب الخلقية يجد في السحر ملاذه ويعتقد أن السحر مازال وسيلة لتحقيق هذه الأطماع والأهواء
في ظل هذا المعترك الذي تضطرم فيه الشهوات الوضيعة، ويملك الإيمان بالسحر عقول الخاصة فضلاً عن الكافة وتسري إلى المجتمع أسباب الانحلال الخلقي والاجتماعي، كان (السحرة) ومن إليهم من دعاة السيميا والكيمياء يبثون في المجتمع أباطيلهم، ويزاولون تلك الرسوم المروعة المثيرة التي تعرف (بالسحر الأسود) ويسلحون الأيدي الغادرة بالسموم المرهقة، وينظمون أشنع الجرائم الدموية والخلقية، ويستظلون للتمويه على الكافة بظل الخفاء والمقدرة على تنبؤ الغيب وتسخير القدر، وتوجيه الحظوظ
وقد بلغ الشغف بالخفاء والتماس السحر ذروته في ذلك العصر؛ وكان يتمخض بين آن وآخر عن طائفة من الجرائم الفظيعة التي يكتنفها خفاء السحر وروعته