دعيت حينما حللت بيت المقدس إلى زيارة إخوان كرام في الرملة ويافا، وقد صادفت الدعوة شوقا في النفس وحنيناً، ولبثت أرتقب الفرصة حتى حسبتها قد أفلتت. وبينما أنا بالمسجد الأقصى يوم الجمعة الذي حدثت عنه في مقالي عن المسجد المبارك، شكوت إلى الصديق الكريم الذي ذكرته قبلا وقلت إن وجهه لا يعيب عن مشهد من مشاهد الخير، ما فاتني من السرور بما أملت من زيارة إخوان كرام في مواطن كريمة، وقالت ضاق الوقت فالرحيل بعد غد قال: وما عليك إذا زرت المدينتين غداً وركبت الطائرة بعد غد من اللد دون الرجوع إلى بيت المقدس. إن في الوقت سعة لإدراك بغيتك، وتأدية واجبك، ونذهب معاً إن شاء الله
فارقنا بيت المقدس ظهر السبت الخامس والعشرين من رمضان نؤم الرملة، وسارت السيارة في أودية فلسطين وشعابها، وأفضنا نحن في شعاب من الحديث وأودية نفصلها على ما نرى من مشاهد جميلة، وما نمر عليه من زروع وأشجار وجبال وقرى، وما يوحي به أولئك من ذكر وعبر بين الماضي والحاضر حتى أوفينا على المدينة الكريمة.
نزلنا في دار البنك، بنك الأمة العربية. ولهذا البنك دور في أمهات مدن فلسطين، فسرني ما رأيت من صور تاريخنا على الجدران، وما توسمت من صور جهادنا الحاضر في أعمال البنك وحسابه. وكم فرج هذا المصرف من كرب، وكم محا من يأس، وكم عصم من مال وأرض، وكم جمع الكلمات المتفرقة، وألف الأهواء الشتيتة. وإن رجاءنا في مستقبله أعظم من اغتباطنا بماضيه، وابتهاجنا بحاضره. وجزى الله خيراً كل من ساهم في الذود عن هذه الأمة بعقل مدبر، أو يد عاملة، أو لسان ناصح، أو مال نافع.
ثم سار بنا الشوق والسرور إلى دار الأخ الصديق المجاهد محمد يعقوب الغصين، فنعمنا حيناً بالجلوس مع الأخ الكريم، وجماعة من وجوه الرملة أتوا مسلمين. نضر الله هذه الوجوه ورعاها. وكانت مطامعنا قد اتسعت لأن نزور المدينتين، ونجيب الدعوتين، ونقضي الغرضين في يوم واحد. فلما لقينا الوجوه الكريمة، وأفضنا في أفانين الحديث، عرفنا أن ما بقى من إقامتنا في فلسطين لا يتسع لأداء فرض واحد من فروض كثيرة