تفضلت فأهديت إليّ نسخة من كتابك الجديد (مستقبل الثقافة في مصر) وكان من واجبي أن أشكر لك هذه الهدية بخطاب أسجل فيه هذا التلطف. ولعلني لو حاولت ذلك لاهتديت إلى أن من الخير أن أنتهز الفرصة وأشرب معك كأساً من الشاي في بيتك لنجدد العهد؛ ولكني آثرت أن أشكر لك هذه الهدية بأسلوب آخر هو الهجوم عليك
وما كان ذلك حبّاً في المشاغبة كما يتوهم بعض من لا يفقهون، وإنما كان ذلك لأني أشعر أننا أسرفنا في حب السلام، والسلام ضرب من الموت، وأعتقد أننا في هذه الأيام نختلف أقل مما يجب ويا ويلنا إذا لم نختلف!
ويسرني أن أعرف فيما بيني وبين نفسي أني لم أقصّر في محاربتك، ولم يفتني أن أنذر رجال التعليم بخطرك، وقد قلت لهم بصوت يسمع أهل القبور:(إن هذه الرجل سينتزع من أيديكم كل شيء) فما استمع مستمع ولا استجاب مجيب
وكما قلت للغافلين: إن طه حسين ليس أعلم العلماء، ولا أحكم الحكماء، وإنما هو رجل (متحرك) كما يعبر أهل بغداد، فتحركوا يا جامدين لتسدوا عليه الطريق
كم قلت: إن من الغفلة أن يسكت رجال التعليم إلى أن يسمعوا صوت الناقوس من طه حسين! وما قلته لرجال التعليم قلت بعضه لنفسي، ففي كتابك الجديد آراء أذعتها من قبلك في الجرائد والمجلات، ولكني لم أحتفل بها كما احتفلت فأذيعها في كتاب خاص، ولو أني فعلت لأضعت عليك فضل السبق. ولكن ما فات فات
ما كان يسرني أن تنتصر، وإن كنت أقسمت يمين الوفاء لكلية الآداب؛ ولكن ماذا أصنع وأنا مضطر لكلمة الحق في إنصافك بحكم الضمير والواجب؟ ماذا أصنع وأنا أرى أنصاري في مخاصمتك لا يملكون غير مضغ الأحاديث؟ ماذا أصنع وأنا لا أدري بين رجال التعليم من يبدي رأياً صحيحاً أو سخيفاً في مستقبل الحياة الأدبية والعلمية؟
كنت أتمنى أن يشغل بمستقبل الثقافة في مصر عشرات من الباحثين منهم شيخ كلية اللغة العربية وعميد دار العلوم ورئيس المجمع اللغوي ومدير دار الكتب المصرية؛ ولكنك