للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مصر]

للأستاذ أبو الفتوح عطيفة

مصر جنة عالية قطوفها دانية، وصحراء جدباء لا زرع فيها ولا ماء

وهي بلد العجائب والمفارقات: بل إني أعتقد أن الطبيعة الهي قسمت مصر إلى واد أخضر يانع ضيق، وإلى صحراء واسعة، قد قسمت مصر بنفس النسبة إلى عجائب ومتناقضات.

فمصر دولة غنية فقيرة، قوية ضعيفة، متعلمة جاهلة، مؤمنة متحررة، ناهضة متأخرة، راضية ساخطة، مستقلة محتلة، حرة مستعبدة، وهي دولة شرقية توشك أن تصبح دولة غربية!

نعم يا أخي! مصر دولة غنية: فيها الثراء الفاحش والغنى البالغ والترف الزائد. فيها قوم ينعمون بالضياع الكبيرة والعمارات الشاهقة وأسهم الشركات الرابحة والسيارات الفخمة. يسكنون القصور والدور الواسعة. لهم الخدم والحشم والأتباع والأنصار. يقضون شتاءهم في القاهرة وإن قضوا جانباً منه في مشاتي الأقصر وأسوان، ويقضون صيفهم في الإسكندرية. وربما دفع الكثيرين منهم الترف إلى السفر إلى أوربا لقضاء الجانب الأكبر من أشهر الصيف القائظ. وهؤلاء القوم مسرفون في ترفهم. ولقد بلغت قيمة ما أهدى إلى أحدهم - بمناسبة زفافه - من ورود سبعة آلاف جنيه!

وفي مصر فقر مدقع: فيها أقوام يعيشون على الكفاف، أجور مبخوسة وأرباح ضئيلة، حياتهم بؤس ومنازلهم أكواخ. بل إن بعضهم لا يجد المأوى فيقضي ليله في العراء يتخذ من الأرض مضجعا ومن السماء والهواء غطاء ولا يجد ماء ولا غذاء ولا كساء! ومن العجيب أن نسبة المترفين من الأغنياء إلى الفقراء تشبه إلى حد كبير النسبة بين الوادي وبين الصحراء! قلة مترفة وأغلبية بائسة

ومصر دولة قوية: يؤمن أبناؤها جميعاً بأن من حقها - وقد كانت فيما مضى مرموقة المكانة مرفوعة الرأس شامخة العز والمجد - أن تسترد ذلك الماضي الزاهر، وأن تحتل مكانها اللائق بها بين الأمم شرقية وغربية. وقد ضرب أبناؤها من متطوعين ومن جند ومن ضباط في حرب فلسطين الأخيرة أمثلة عليا في الشجاعة والبطولة، وقدموا أرواحهم فداء للوطن!! (العربي والمصري)

<<  <  ج:
ص:  >  >>