للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من أدباء الصعيد في القرن السادس]

الرشيد الأسواني

للأستاذ محمود عزت عرفة

في عام ٥٤٩ هـ قتل الخليفة الفاطمي الظافر بأعداء الله في دار وزارته بالسيوفية؛ وعهد بالأمر من بعده لأبنه الفائز (عيسى)؛ وقد أقيم وقتذاك بقصر الخلافة حفل كبير لتأبين الخليفة المقتول، أمه شعراء الدولة من كل أقليم، فأنشدوا مراثيهم حسب مراتبهم؛ ثم نهض في أُخرياتهم رجل تتخطاه العيون، أسود الإهاب، عليه أطمار رثة، وطيلسان من صوف؛ فأنشد قصيدة أولها:

ما للرياض تميل سُكراً ... هل سقيت بالمُزن خمراً؟

. . . ولما وصل منها إلى قوله:

أفكَرْبَلاءُ بالعرا ... ق وكرْبلاءُ بمصرَ أخرى؟!

كان التأثر قد بلغ من الحاضرين مبلغه، فجاشت قلوبهم بزفرات من الأسى، وترددت أصوات من البكاء والإعوال هنا وهناك. . . وظل الحزن معتلجاً في النفوس حتى فرغ الشاعر من إلقاء ما تهيأ له، فغادر منبره وقد شجي وأشجى وكان أن رمقته العيون بنظرات الإعجاب والإكبار، وانثالت عليه العطايا من الأمراء والحاشية والخدم وحظايا القصر؛ وحُمل إليه من قبل الوزير - طلائع بن رزيك - جملة من المال؛ ثم قيل له في شبه اعتذار: لولا أنه العزاء والمأتم لجاءتك الخلع!

ذلكم هو شاعر الصعيد أبو الحسين أحمد بن علي بن إبراهيم ابن الزبير الغساني (الأسواني) الملقب بالرشيد، وصفه ياقوت في معجمه فقال: (كان على جلالته وفضله، ومنزلته من العلم والنسب، قبيح المنظر، أسود الجلدة، جهم الوجه، سمج الخلقة، ذا شفة غليظة وأنف مبسوط كخلقة الزنوج، قصيراً)

وترجم له كثير من المصنفين غير ياقوت: كالعماد الأصبهاني (صاحب الخريدة)، وأبى الطاهر أحمد السُلفي، وابن خلكان وكمال الدين الأدفوي.

على أن واحداً من هؤلاء لم يذكر لنا سنة مولده على وجه التحديد، وإن كانوا قد أجمعوا على أنه توفي عام ٥٦٣ هـ

<<  <  ج:
ص:  >  >>