في مصر أزمة ثقافية شديدة، يحسها في هذه الأيام كل قارئ وكل ذي فكر وبيان. . .
إن الكتاب الجيد لا يكاد يطبع منه الآن أكثر من بضعة آلاف نسخة، في بلد يقولون ن عدد القارئين الكاتبين فيد يزيد على خمسة ملايين، وإن عدد طلاب العلم في معاهده يبلغ نحو مليونين؛ بل إن هذه الآلاف القليلة التي تطبع من الكتاب الجيد لا تكاد تنفذ في أقل من عامين، وأكثر من نصف الذين يقبلون عليها ليشتروها لا يشترونها ليقرءوها، بل لأنهم تعودوا أن يشتروا كل كتاب جيد، أو كل كتاب للمؤلف الذي يفضلونه.
فهل يبلغ عدد قراء الكتاب الجيد في سنته الأولى على هذا الأساس أكثر من بضع مئات؟ فلمن يكتب الكاتبون ويتحدث أصحاب الفكر والبيان إذا كان قراؤهم لا يزيدون على بضع مئات في شعب يزيد تعداده على عشرين مليونا ويصفه من يصف من أهل السياسة بأنه شعب ناهض؟.
الحق أنها أزمة ثقافية شديدة، تدل على مبلغ القطيعة بين هذا الشعب ومفكريه، المتفانين في الحديث عن نهضة هذا الشعب. وأني لأعلم علم اليقين أن حديثي هذا لن يرضي بعض السياسيين ولا بعض الأدباء، بل لعله خليق أن يغضب كل السياسيين وكثيرا من الأدباء؛ ولكني لا أبالي بمن يغضب ولا من يرضي من هؤلاء وأولئك؛ إذ كنت لا أقول إلا الحقيقة التي اعتقدتها ويعتقدها في مصر كل ذي فكر وبيان. . .
إننا نعيش في بلد أمي، أمية مطلة تشمل ٩٩٩ من كل ألف، على رغم الإحصائيات التي تذيعها وزارة معارفنا في كل عام. . .
إن على رأس وزارة المعارف اليوم في مصر وزيرا له مذهباً في التعليم يقوم على أساس (الكيف) قبل (الكم). وما أحلى هذا العنوان لو كان له مدلول يعبر عن شيء من الواقع؛ ولكن ذلك الواقع يعبر تعبيرا أصدق عن الأمية الحقيقية المطبقة علينا كماً وكيفاً وموضوعاً؛ فليس في مصر اليوم خمسة ملايين قارئ كما يقول في بعض الأحاديث، ولا خمسة آلاف، بل قد يكون من الإسراف في حسن الظن أن نزعم أنهم قد يبلغون خمسمائة. . . وقد أوضحت برهان ذلك في بعض ما سبق!.