قرأت في العدد (٢١٩) من (الرسالة) الغراء مقالة للأستاذ علي الطنطاوي يقارن فيها بين العلم والأدب، ويفاضل بينهما، ويقضي في أمرهما؛ فوجدته (لم يدع مذمة إلا ألحقها) بالعلم، (ولم يترك مزية إلا نحلها) الأدب، كأنما (الأمر قد انتهى والقضية قد فصلت) وحكم للأدب على العلم (فلم أدر متى كانت هذه المنافرة، وأين كانت هذه المفاخرة، ومن هو الذي جلس في منصة القضاء، ومن الذي زعم أنه وكيل العلم حتى أخزاه الله على يديه، وأذله به؟)
والذي لاحظته على الأستاذ وعجبت له أن يتوسع في مفهوم الأدب توسعاً كثيراً، بينما يبخل بذلك على العلم ويضيق معناه كل التضييق؛ فهو يقول:(إن الأدب ضرورة للبشر ضرورة الهواء)(لأن البشرية لم تعش ساعة واحدة من غير أدب) ولكنها (عاشت قروناً طويلة من غير علم، وما هو إلا طفل ولد أمس ولا يزال يحبو حبواً). . . وذلك لأن الأدب بمعناه الواسع يشمل (كل ما كان وصفاً للجمال وتعبيراً عنه) فكل (من يعني بالجمال ويتذوقه، بل كل من يذكر الماضي ويحلم بالمستقبل ويحس باللذة والألم واليأس والأمل يكون أديباً، ويكون الأدب - بهذا المعنى - مرادفاً للإنسانية، فمن لم يكن أديباً لم يكن إنساناً). . . أما العلم فهو هذا العلم المنظم الطرائق المقرر الأصول، هذا العلم الذي ولد أمس، علم نيوتن ودارون وإينشتين!!
كلا يا سيدي، ما هكذا تقام الموازنات، ولا هكذا تعقد المفاضلات. فإذا كنت قد توسعت في معنى الأدب كل هذا التوسع، حتى جعلته مجرد الإحساس والشعور، فمن العدل والإنصاف أن تتوسع في معنى العلم أيضاً، فتجعله مجرد التفكير والمحاكمة العقلية، فبغير ذلك لا تكون لموازنتك ولا لمفاضلتك قيمة أو معنى، لأن الأصل في المقارنة بين شيئين أن يكون أساسهما مشتركا. . .
فالعلم بمعناه الواسع قديم قدم العقل، لا (طفل ولد أمس) والمحاكمة العقلية - أي العلم - هي الفارق بيننا وبين العجماوات، فيكون العلم - بهذا المعنى - مرادفاً للإنسانية، فمن لم يكن عالماً لم يكن إنساناً. . . أليس كذلك؟
(إن أول كلمة قالها الرجل الأول للمرأة الأولى) كما يقول الكاتب: (كلمة الحب، لمكان