مشى يتخلع ثملاً في حنايا المدينة، وقد أغفى الليل وسجا الكون، فطرق سمعة نغم حلو يصعده ناي حزين. فسعى إليه، جذلان طرباً. فقد كان للأنغام أثر في نفسه، وسلطان على حسه، وسيطرة على هواه. . .
فلما جاز بالدار التي ترسل النغمات. . . نادى صاحبها، فقام إليه يندى وجهه فرحاً، فرحب به وقال له:
- ما هذا الهجران الطويل يا هانرهان. . . فلقد صرمت حبالنا منذ بعيد، فنحن بعدك في شوق يلح، وكآبة تضني. . . أهلاً. . . حللت يا هانرهان. . .!
فلكزته زوجه بجمع كفها، وهمست في أذنه: أن اطرده، فإن الناس يتقولون الأقاويل عليه، وإن الكهنة يقصونه عن المعبد كلما أتى إليه. . . ثم إن ثمل. . . دعه. . . دعه يمض وحيداً
فصاح بها زوجها قائلاً: (أأطرده أن جاء إلي بعد سنين طويلة. . .؟ إنه شاعر رقيق القلب، طيب النفس
ودخل الشاعر الدار يتبع ربها. . . فقاده إلى غرفة تكدس الناس فيها من الجيران. . . فغشيها وقد شخصت الأبصار إليه. وقال فتى كان هناك:
- أليس هذا هانرهان الذي ذاع صيته. . . وكان معلماً فطردوه. . .؟
فأخرسته أمه وقالت له:
- لو أنه سمع مقالتك لا ندرأ عليك سباً وشتماً. . . أنصت!
وساد السكون. . . ولكن أحد الفتيان نادى الشاعر لينشد القوم شعراً. فأبى رب الدار ذلك عليه. . . لأنه لم يصب بعد من الراح شيئاً، ولم ينل من الراحة قسطاً. فأخذ الشاعر يعب