الخمر وقد جاشت في كأسها. . . ثم يحول بصره نحو الباب لينظر إلى (وانا) فتاة الدار، وقد أتت تعانق حزمة من الحطب الجزل، لتؤرث بها النار، وشعرها الأشقر الجعد متهدل على وجهها وعينيها
وقام إليها الفتيان مسرعين ليأخذوا منها الأعواد. ولكنها رمت بها إلى الموقد. . . وانثنت وثغرها المرفاف يضحك لترقص مع فتى لها، فغضب الشاعر. . . وضرب الأرض، ثم دفع بالفتى وهو يزبد صائحاً:
وأسرعت (وانا) إلى الشاعر فمدت إليه يديها والخجل يعلو خديها. . . وعزفت الموسيقى، وقام الناس ليرقصوا. . . ولكن وا أسفاه. . . لقد انحنى الشاعر فرأى حذاءه الذي حال لونه وبلى فبدت من خلاله أصابع رجليه التي نفذ إليها الطين، وأبصر سرواله الممزق، وساقه العارية المملوءة بالشعر الأسود الغليظ. . . فارتد إلى مكانه وهو يقول:
- لا أستطيع الرقص والموسيقى تسرع
ولها الناس، وجنت الموسيقى، وعربدت الأنغام. . . والشاعر جالس مع (وانا) يقص عليها أحلى الأقاصيص
وأدركت الأم خطر الشاعر الذي يريد أن يسحر الفتاة. . . فنادتها ولكنها أعرضت عنها. . . فأقبلت الأم على الموقد تتظاهر بتأريث النار، وتصغي إلى حديث هانرهان. لقد سمعته يحدثها عن (ديردر) ذات الأيادي البيض. . . التي قادت الأمراء إلى الموت فماتوا وجداً بها وهياماً. وأحزنها فقدهم. . . فطفقت تبكي. . . آه يا (وانا). . . إن الأزهار تذرف الدمع في السحر حزينات رحمة بها، وإن الشعراء يتغزلون ويبكون لها. . . ما كان أجملها وأعذب صوتها يا (وانا)!
واضطربت الأم، وأرهفت أذنها. إنه يقول لها:(مثل الشمس والقمر يا (وانا) كمثل المرأة والرجل، خلقا ليتحابا. . . ألا تنظرين إليهما يتنقلان في السماء؟ لقد خلقت يا (وانا) معي قبل أن يخلق الله الناس لكي نرقص بين طيات السحاب الرقيق. . . نرتفع مع النغم الهادئ، ونهبط مع النشيد الجميل بخفة وسرور، على حين يسقط الناس صرعى لاغبين!)
وانتصبت المرأة مضطربة الشعور، ومشت إلى زوجها وهو يلعب الورق، فحدثته حديث