حددّ سوفوكليس الفرق بينه وبين إسخيلوس، ثم بينه وبين يوريبيدز فقال:
أنا أصور البشر كما كان ينبغي أن يكونوا
ويصورهم يوريبيدز كما هم
أما إسخيلوس فقد كان يوحي إليه بالحق فينطق به دون أن يعرف ما هو
وذلك من سوفوكليس تحديد جميل ينتفع به مؤرخو الأدب الكلاسيكي، لأن سوفوكليس كان حقيقةً يلتزم في جميع دراماته هذا التسامي نحو مَثَله الأعلى الذي كان يجهد ألا يضحي به ولو عارض الأوضاع ونافى التقاليد وثار بالشرائع
لقد رأى إسخيلوس يقسو على الفتى أورست الذي قتل أمه لأنها قتلت أباه فأسلمه لطائف من الجنون، وسلط عليه ربات العذاب تُشقيه وتقص آثاره وتسد عليه المسالك. لأن جريمة قتل الوالدين هي أشنع الجرائم فيما تواضع عليه الدين اليوناني الأسطوري من غير نظر إلى ما في ذلك القتل من حق أو غيره. . . ومع أن إسخيلوس كان لا يرى أن يُعد أورست مجرماً بدليل ما ذكره على لسان أبولو أمام محكمة مينرفا إلا أنه أجرى درامته في حدود المعتقدات اليونانية فجعل ربات العذاب تلاحق أورست كما تلاحق المجرمين لتأخذه بما جنت يداه. ثم توسل إسخيلوس بهذه الهيئة القضائية التي كانت مينرفا بمقام الرئيس فيها، كما كان أبوللو بمقام المحامي، وكما كانت ربات العذاب بمقام المدعي في حين كان أورست في مقام المتهم. . . فلما رأت مينرفا أخذ أصوات الحضور بوصف كونهم محلفين، ثم لما تساوت الأصوات ضد أورست ثم له، عمد إسخيلوس إلى مينرفا فجعلها تنحاز إلى جانب أورست، وبالأحرى إلى فكرة إسخيلوس في عدم حسبان الفتى مجرماً لأنه قتل أمه التي قتلت هي أيضاً أباه، لأنه ضَحّى بابنتها إفجنيا كما تقدم ذكر ذلك جميعا
رأى سوفوكليس نده القوي يتناول المأساة على هذا النحو فترك سبيله وسلك سبيلاً أخر. . . أنه لمُ يسلم أورست لطائف من الجنون ولم يُلاحقه بربات العذاب كما فعل إسخيلوس، بل هو قد أهمل الشريعة الأسطورية كلها وأظهر أورست في ثوب البطل الذي يرى أن أمه