الإعجاب والاستحسان؛ وطلبُ الاستحسان من المشاهدين والحرص عليه والانتشاء به من صفات الممثلين أيضاً. وقد ضجر منه المتوكل يوماً لمغالاته في هذه الأعمال. فأغرى به شاعراً صغيراً عبث به في شعره. ولو جاز أن نتمنى سماع إنشاد البحتري لشعره لتمنينا أن نسمعه ينشد بهذه الطريقة التمثيلية قطعة من شعره تساعد على إظهار مقدرة الممثل قوله في قتاله للذئب:
عوى ثم أقعى فارتجزت فهجته ... فأقبل مثل البرق يتبعه الرعد
فأوجرته خرقاء تحسب ريشها ... على كوكب ينقض والليل مسود
فما ازداد إلا جرأة وصرامة ... وأيقنت أن الأمر منه هو الجد
فأتبعتها أخرى فأضللت نصلها ... بحيث يكون اللب والرعب والحقد
فخرَّ وقد أوردته منهل الردى ... على ظمأ لو أنه عذب الوِرد
ونلت خسيساً منه ثم تركته ... وأقلعتُ عنه وهو منعفر فرد
ولا غرابة أن يكون عند الشاعر الذي عماده الصناعة اللفظية صفة الممثل الذي ينتشي بما يقول حتى يخلق له القول عاطفة فنية لا تكاد تميز من الأحاسيس الناشئة من حوادث الحياة في نفوس بعض ذوي الفنون. وفي الأخبار التي وردت عن البحتري نرى أنه كان يمدح شاعرين هما: أبو تمام، والعباس بن الأحنف. وفي شعر البحتري أثر محاكاته للأول في الصنعة البيانية ومعانيها وللثاني في بعض الغزل من شعره.