بقيت هذه التهمة الشنعاء التي ألصقت بابن سيناء؛ فإن الناقدين يرتابون في صحتها وينزهون ابن سينا عنها. والظاهرة أنها من نسيج خصومه وحساده، وقد علق على الخير ناقله وأظنه صاحب أبجد العلوم - بأنه بهتان وإفك لأن الشيخ مر لأخذه الحكمة من تلك الخزانة كما صرح به في نعض رسائله، وأيضا يفهم في كثير من مواضع الشفاء أنه تلخيص التعليم الثاني. وعلق الأستاذ مصطفى عبد الرزاق بأن في هذا الخير خطأ تاريخيا؛ فإن منصور ابن نوح الساماني إنما ولى أمر خرسان بعد سنة ٣٤٣ هـ بعد موت الفارابي درس في بغداد وعاش في سورية وزار مصر ولم يعرف أنه أقام في أصفهان وشرق المملكة الإسلامية بعد نبوغه وتألق نجمه في الفلسفة وإن قال العقاد في رسالته عن الفارابي (على أنه يبدو من كتاب الموسيقى أن فيلسوفنا جاس أيضاً خلال خراسان قبل أن يهبط العراق) فإن الظاهر أن ذلك قبل بزوغ شمس الفلسفة. أما ما رواه البيهقي ونقله عنه الشهرزوري من أن الفارابي ذهب إلى الري استقدمه إليها كافي الكفاة الصاحب بن عباد وبعث إليه هدايا وصلات واستحضره واشتاق إلى ارتباطه وأبو نصر يتعفف وينقبض ولا يقبل منه شيئاً حتى ضرب الدهر ضرباته ووصل أبو نصر إلى الري وعليه قباء وسخ وقلنسوة بلقاء ودخل مجلس الصاحب متنكراً وكان المجلس غاصاً بالندامى والظرفاء وأرباب اللهو فأضافوا الجرم إلى البواب ورموا إليه أسهم العتاب واستهزأ بأبي نصر كل من كان في ذلك المجلس وهو يحتمي أذى الأيدي وبغضى على قذى الأذى والاستهزاء حتى اطمأنت أنفسهم لمجالسته وأنساهم الشراب ذكره ودارت الكؤوس ومالت الرؤوس وطربت النفوس وحمل أبو نصر مزهراً واستخرج لحناً مع وزن نوم المستمعين وصار كل واحد كالذي يغشى عليه من الموت وكتب على البربط زاركم أبو نصر الفارابي واستهزأتم به فنومكم، ثم خرج من الري متنكراً مع رفقة متوجهاً إلى بغداد) فهذه