الأقصوصة إن صحت فإنها تدل على أنه لم يمكث في تلك الجهات مكث تأليف وكتابه، وقد علق العقاد في رسالته عن الفارابي - على القصة بأن ابن خلكان يروي قصة قريبة من هذه على أنها حدثت بين الفارابي وسيف الدولة، ثم قال ولا شبهة لدينا في أن قصة البيهقي أسطورة تمثل خيال الكاتب وفنه دون أن تمت إلى الحقيقة بنسب، ودليلنا على هذا أن الصاحب إسماعيل بن عباد ولد سنة ٣٠٦هـ فهو عند موت الفارابي في سنة ٣٣٩هـ كان صبياً صغيراً ولم يكن له بعد مجلس يضم الندامى والظرفاء.
وجاء الأستاذ (أبو ريده) من جامعة فؤاد الأول بمصر معلنا ارتيابه وشكه في صحة هذه الطعنة النجلاء الموجهة من خصوم ابن سينا إلى مقامه الجليل - فقال ولا شك أن ما يقوله حاجي خليفة كلام ينبغي أن نتلقاه بالتردد والحذر
وقد نقل القصة السابقة أيضاً المولى أحمد بن مصطفى المعروف بطاش كبرى زاده المتوفى سنة ٩٦٢هـ على الصورة التالية إذ قال (ج١ ص٢٤١) في مفتاح السعادة -: إن أرسطو يعد ما دون المنطق صارت كتبه مخزونة في أثنه (أثينا) من ولاية موره (شبه جزيرة الموره من بلاد اليونان) من بلاد الروم عند ملك من ملوك اليونان، ولما رغب الخليفة في علوم الأوائل أرسل المأمون إلى الملك المذكور وطلب الكتب فلم يرسلها فغضب المأمون وجمع العساكر وبلغ الخبر الملك فجمع البطاريق والرهابين وشاورهم في الأمر فقالوا إن أردت الكسر في دين المسلمين زلزلة عقائدهم فلا تمنعهم عن الكتب. فاستحسن الملك ذلك وأرسلها إلى المأمون فجمع المأمون مترجمي مملكته كحنين بن إسحاق، وثابت بن قرة وغيرهما وترجموها بتراجم متخالفة لا توافق ترجمة أحدهم ترجمة الآخر فبقيت التراجم غير محررة إلى أن التمس منصور بن نوح الساماني من أبي نصر الفارابي أن يحررها ويلخصها ففعل كما أراد ولهذا لقب بالمعلم الثاني وكانت كتبه في خزانة الكتب المبنية بأصبهان المسماة بصوان الحكمة إلى زمان السلطان مسعود، لكن كانت غير مبيضة لأن الفارابي كان غير ملتفت إلى جمع التصانيف ونشرها بل غلب عليه السياحة. ثم إن الشيخ أبا علي تقرب عند السلطان مسعود بسبب الطب حتى استوزره واستولى على تلك الخزانة وأخذ ما في تلك الكتب ولخص منها كتاب الشفاء وغير ذلك من تصانيفه. وقد اتفق أن احترقت تلك الكتب فاتهم من يتعصب على أبي علي بأنه أحرقها لينقطع انتساب تلك