العلوم على أربابها ويختص بنفسه، لكن هذا الكلام للحساد الذين ليس لهم هاد. . انتهى كلام طاش كبرى زاده وقد اختتمه بارتيابه في هذه التهمة أعنى إحراق ابن سينا للمكتبة ليحتكر علومها ولم ينفِ أخذ ابن سينا من كتاب التعليم الثاني. قال العقاد في رسالته عن الفارابي، أما طاشكبرى زاده فلا يصدق هذه الرواية ويقرر أن منشأها حسد الحاسدين لأبي علي وينفى حاج خليفة أيضاً عن ابن سينا تهمة حرق الخزانة لأن الشيخ أي ابن سينا مقر بأخذه الحكمة من تلك الخزانة كما صرح في بعض رسائله؛ وأيضاً يفهم من مواضع في كتابه الشفاء أنه تلخيص التعليم الثاني.
يقول العقاد وفي الحق أن ابن سينا إلى نوح بن منصور وطببه واستأذنه في الاطلاع على دار كتبه فأذن له. وابن سينا يصرح أيضاً بأنه كان يقرأ كتاب (ما بعد الطبيعة) لأرسطو دون أن يفهم ما فيه حتى ألقت المقادير بين يديه كتاب الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة فاستطاع حين ذاك أن يفهم كتاب أرسطو. وهو يصرح أيضاً في كتاب الشفاء بأنه يلخص آراء القدماء. ولكنا مع هذا نجد في رواتبي مفتاح السعادة وكشف الظنون كثيراً من الأغلاط؛ فمنصور بن نوح لم يكن ملكاً قبل سنة ٣٥٠هـ أي بعد وفاة الفارابي بإحدى عشرة سنة ولم يكن السلطان مسعود من أحفاده ولم يستوزر ابن سينا وإنما استوزره شمس الدولة في همذان، ولم تكن خزانة الكتب في أصفهان وإنما كانت في بخاري. ومما يرجع الشك في صحة هذه الرواية أيضاً أننا لا نجد عند المؤرخين المتقدمين كتاباً للفارابي باسم التعليم الثاني.
والذي يهمنا من كل ما تقدم هو الحقيقة الثابتة التالية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها وهي أن ابن سينا تخرج بكتب الفارابي والظاهر أن آثار المعلم الثاني بقيت المعين الصافي الذي ورد منه جمع غفير من رواد الفلسفة، فقد جاء في كتاب (دروس في تاريخ الفلسفة) عرض لأثر الفارابي في رواد المعرفة في الأجيال الإسلامية، قال المؤلفان فيه (وهناك تلاميذ آخرون اهتدوا بهدى الفارابي واستمسكوا بتعاليمه دون أن يروه أو يعاصروه وعلى رأس هؤلاء الأستاذ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا المتوفى سنة ١٠٣٧م.
ولا غرابة فابن سينا نفسه يعترف بتأثره به وفضله عليه ولقد بلغ من تعلقه بنظرياته أن