(إلى أبنائي الذين أحسوا لذع الفراق يوم الوداع الأول، وهم
ما يزالون أطفالا، فاغغرورقت عيونهم بالعبرات، ثم كفكفوها
لأنني قلت لهم: يازجال!)
إلى اللقاء، يا بني، هناك على سيف البحر حيث تموج الدنيا بفلسفة الحرية في معاني اللهو والعرى.
إن الإنسان ليحن - دائماً - إلى حيوانيته الأولى فيسعى ليتحلل من أعباء الرزانة والعقل وليحطم أغلال الإنسانية حين يحس أنها قد كبلته بقيود من الجدار والثوب.
يا لبؤس الحيوان حين تعصره الزريبة بين جدرانها فلا يستطيع أن ينفلت منها إلى الحقل. . . إلى العشب والنور والشمس والهواء! ويا لشقاوة الطير حين يضغطه القفص بين قضبانه فلا يجد السبيل إلى روح الغابة. . . إلى الحرية والسعادة والجمال!
هناك على شاطئ البحر، عند الربيع الأزرق، يخلع المرء ثوبه فيخلع إنسانيته حيناً بالحيوانية، ويئد عقله لينعم بالجهل، ويفزع عن صوابه ليسعد بالحمق.
وأنت - بابني - طفل يلذ لك أن تنطلق إلى طفولتك لا يربطك ولا يمسكك غل ولا يحدك عقل.
فإلى اللقاء، يا بني، على سيف البحر حيث تموج الدنيا بفلسفة الحرية في معاني اللهو والعرى.
أتذكر - بابني - يوم أن جاء خالك يطلب إلي أن أدعك تصحبه إلى الإسكندرية فتشبثت بي ترجوني، لأنه شاقك أن تمرح على شاطئ البحر مرة أخرى. ونزلت أنا عند رأيك الفطير، رأى الطفولة الوثابة، لأنني خشيت أن يضربك الأسى والحزن وأشفقت أن تعصف بك معاني الخيبة واليأس، فتستشعر الصغار والذلة وأنت ما تزال غض الإهاب لين العود لدن العظم
لقد كان بودي أن أرافقك لولا غل الوظيفة وشواغل العيش وعنت الصيام، فبقيت أنا هنا -