استعدوا يا سادة، فقد أزف الرحيل، وشدت الأهداج، فودعوا الأحبة والصحاب إن كنتم تطيقون الوداع، وخذوا طريقكم إلى (المرجة) ففيها الموعد الفجر، وأسرعوا لا يشغلكم جمال الغداة، ولا سحر السحر، وإن ملأ السماء والأرض والنفس خشعة وفرحة وبهاء، فحرام على ذي الأعمال، أن يفتنه عنها الجمال. . .
ها نحن أولاء في (المرجة)، وها هو ذا صوت المؤذن يمشي في الفضاء مشى البرء في الأجسام، والطرب في الأعصاب، فيكون لهذه الدنيا نوراً وطهراً وعطراً، وها نحن أولاء نصلي الصبح في (جامع يلبغا) الذي سرق نصفه العثمانيون فجعلوه مدرسة، كان الأرض قد ضاقت بالمدرسة حتى ما يتسع لها إلا الجامع، كان اللصوص لم يكونوا حداقاً، ولم يستطيعوا طمس الآثار، فنسوا (المئذنة) لم يسرقوها فلبثت قائمة تشهد عليهم، كشهادة (منار سوق الغزل) على أهل بغداد، انهم سرقوا (المسجد الجامع) الذي كان قطب الأرض، واكلوه، وادعوه انهم ما رأوه. .
وها نحن أولاء نخرج فنرى السيارة وعليها الأحمال، ولكن ما لها لا تمشي؟ ألم بأن الأوان؟ ألم يؤكدوا لنا إن الرحلة الفجر؟ لقد مضت نص ساعة، ومضت ساعة، وملأت الشمس الدينا، وامتع الضحى، وهي واقفة، ترقب أحد البكوات حتى يصحو وتفرك الجارية رجليه ويغتسل ويأكل ويبس ويجيء مبتخترا. .
فلماذا ذا منعونا نحن المنام، وألزمونا الحضور في الغلس، في برد كانون، وفر الليل؟ وما هذه الخصومات والمعارك، وهذه الألفاظ الوسخة التي يقذف بها السائق ومعاونوه في وجوه الركاب، لأنهم طالبوا بحقهم وأبوا الظلم؟ وما لشركة (نرن) الإنكليزية تسير سياراتها كما تسير عقارب الساعة، لا يسبق عقرب ولا يتأخر ولا يقفه شيء؟ اكتب علينا أن نظل أبدا