نحن الآن في قلب الجزيرة. . . في جاهليتها الأولى، الثرية بمعاني طفولة البشرية التي تملأ الحياة شعراً وتهاويل وأوهاماً. . .
نخوض في بحر من الرمال يغلي بالحرارة، ويبسط على الجلود لفحات من لظى تصيب الأجسام بقشعريرة من بَحَران الحمى التي تصهر الأجسام، وتجعلها جمرات مشبوبة المشاعر، ثائرة العناصر، حديدة المزاج، مكشوفة الرماد عن الطبع الخالص، والفطرة الصريحة. . .
ننقل الخطأ على تراب آبائنا الأولين، ونبحث فيه عن عظامهم التي غابت في التلال والرجام. . .
ونشم فيه دماءهم التي ابتلعتها الرمال المتعطشة أبدا مع ما ابتلعت من دموع الغمام. . .
ونحدق في الأضواء والظلمات إلى صورهم التي طبعت في ألواح الأثير مع ما صبته الشمس والكواكب من الأضواء والظلال. . . ونتسمع إلى أصواتهم التي فنيت في الصمت المطلق. . .
فتطالعنا من وراء الغيب أشباح لها وجوه سمراء، حادة النظرات، دقيقة الأنوف، عريضة الجباه، عليها سيما الكبرياء والاعتداد، وسهوم العزلة والتفرد. . .
يمتصون حرارة الصحراء، وينضحونها دماء حارة، وحرية حمراء. . .