للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نفحة من العبقرية]

(في الذكرى الثانية عشرة للرافعي)

للأستاذ أحمد مصطفى حافظ

(. . . وسيأتي يوم إذا ذكر فيه الرافعي قال الناس: هو

الحكمة العالية مصوغة في أجمل قالبِ من البيان)

مصطفى كامل

المرحوم، الأستاذ خالد الذكر والأثر، مصطفى صادق الرافعي أديب عبقري متفنن، ذو عقلية وضاءة مبدعة، مولدة قوية صافية خصت وتميزت باتقادها بالأحاسيس المشبوبة، والنوازع الطماحة، والأخيلة الجياشة السيالة. . . وتفردت بقدرتها التعبيرية الطيعة، التي تسمو بنا إلى أجواء رقيقة ندية. . . ننسى فيها عالمنا المادي المتطاحن. . . ونقبل عليها بكليتنا مشغوفين مأسورين فنسبح في فيض علوي زاخر، مليء بالأنغام العذاب، مفعم بأطايب نسمات الجنات

نشأ الرافعي في بيئة دينية تقية؛ تولت إفتاء مصر وقضاءها زمناً طيباً عادلا. . . ففقه النور الإلهي الغامر الباهر، واستوعب العربية وآدابها، وفنون أساليبها. . . وتعلق قلبه بسيرة سيد المرسلين، فأخذت براعته تدبج الفصول الرائعة، والآيات البينات في حبه وتقديره صلى الله عليه وسلم. . . فكانت لروعتها وسموها كأنها تنزيل من التنزيل، أو قبس من نور الذكر الحكيم؛ كما يقول (سعد) العظيم. وظل يعمل ويكافح في سبيل إعلاء كلمة الشرق، وتوجيه الأجيال إلى خير منهج يضمن له العز والفخار ويعيد له تراثه المضيع، ويحقق له نسبه الرائع المختلط، وكان في كل ذلك (واحد الآحاد في فنه). وكان يحمل رسالته التي أخذ على عاتقه أمر تنفيذها وتحقيقها - وإن كانت المنايا قد عرقلت الكثير من أمنياته - بقوله: (أنا لا أعبأ بالمظاهر والأعراض التي يأتي بها يوم وينسخها يوم آخر، والقبلة التي أتجه إليها في الأدب، إنما هي النفس الشرقية في دينها وفضائلها؛ فلا أكتب إلا ما يبعثها حية ويزيد في حياتها وسمو غايتها، ويمكن لفضائلها وخصائصها في الحياة. . . ولذا لا أمس من الآداب كلها إلا نواحيها العليا؛ ثم إنه يخيل إلى دائماً أنني

<<  <  ج:
ص:  >  >>