لما أجمعت النية على نشر كتاب عن (حياة الحديث المحمدي) بعد أن جمعت مواده وهيأت فصوله - قدرت أن هذا الكتاب ستضيق به صدور الذين يكرهون التحقيق في البحث، والاجتهاد في الفهم، والحرية في الفكر؛ ولا يرون العلم إلا فيما أخذوه عن شيوخهم تلقيناً، والاستمساك بما وجدوا عليه آباءهم غثاً كان أو سميناً.
وقد وقع ما قدرت، فلم تكد تبدو في أفق (الرسالة) لمعة عن هذا الكتاب حتى انبعث (حشوي) في إحدى صحف العوام ينضح علينا من رضاع ملكته سباً وشتما وسفاهاً، فلم نعره التفاتاً، لأن المناقشة بين العلماء لا تكون إلا بعلم وبرهان؛ أما الفحش والسفه والسباب، فهي أداة الجاهل الذي أعوزته الحجة واستعصى عليه الدليل، ولا يصح أن يتخذ الجهول في البحث قريناً.
ولما قرأت في العدد ٦٤٢ من (الرسالة) كلمة الأستاذ محمد محمود أبو شهبه رأيتها تنزع إلى الحق وتطلبه، وهي وإن كانت قد حملت بعض مآخذ - تجاوزنا عنها - تستحق العناية، وتستأهل الرد:
١ - قلت في كلمتي التي نشرتها بالرسالة: إني وجدت بعد البحث والتنقيب أنه لا يكاد يوجد في كتب الحديث كلها حديث قد جاء على حقيقة لفظه ومحكم تركيبه. فجاء الأستاذ أبو شهبة يسأل عن مبعث هذا الحكم، وبعد أن يسلم بأن من الأحاديث ما روى على المعنى قال:(ومن الأحاديث ما (اتفقت) الروايات على لفظها! وإن لم تصل إلى درجة المتواتر، ومن الأحاديث ما لا يشك متذوق للبلاغة أنها من كلام أفصح العرب). كأنه يقول: إن هناك أحاديث كثيرة (معروفة) قد جاءت على كمال صياغتها كما نطق الرسول بها، فبدت تحمل مزايا نظمها واتساقها وأسرار بلاغتها، وخصائص ألفاظها ومعانيها.
ونحن لو سلمنا جدلا بأن هناك أحاديث - قد اتفقت الرواة على لفظها لأنا لم نقف على إحصاء صحيح لها، فإنه لا يصح اعتبارها ولا الاستشهاد بها ما دامت - كما يقول هو عنها - لم تصل إلى درجة المتواتر، ذلك بأنه ما دام شرط التواتر لم يتحقق لها فإنها