أقبلت على الأستاذ توفيق الحكيم بك في غرفة مكتبه بدار الكتب المصرية، بعد أن فرغ من تصريف مسألة من مسائل الدار، وقد خرج الأستاذ الكبير عن مكتبه، وجلسنا على مقعدين متقابلين، فطالعت منه وجه الفنان، وأحسست إني في محراب من محاريب الفن، لا في حجرة من حجرات أصحاب المناصب الكبيرة
وقضيت معه ساعة تناولنا فيها بعض شئون الأدب والأدباء، وقد تحدث إلي منطلقا مستفيضا، وأصغيت إليه مستوعبا مستعذباً، ويرف أصدقاء أديبنا الكبير ما في حديثه من متعة وعمق، لأنه يمزج فيه الفكر بماء من الفن كما يصنع في كتابته
وكان يلقي إلي الحديث على طبيعته المرحة الهادئة الوادعة، وهو لا يعلم إني سأنقله إلى قراء الرسالة. . فلما علم بهذه النية ظهرت عليه البغتة وأبتدرني قائلاً: إذاً فأنت تريد أن تعمل حديثا وسكت وكأنما يقول في نفسه: الأمر لله
بدأ الحديث بالسؤال عن الأستاذ الزيات بك، ثم ذكر (الرسالة) لا سائلا عنها فهي لا تغيب عنه، إذ هي معه وهو معها كل ' سبوع، بل قال: الرسالة يتنسم منها الإنسان عبير الأدب في هذه الآونة التي قطعت الصحف والمجلات الأخرى علاقتها بلأدب ومسحت آثاره من صفحاتها. . حتى ما تنشره أحيانا من قصص تراه حكاية لحوادث لا فن فيها ولا تشعر بأن كاتب القصة يسوق إليك من خلال كتابته خواطر أديب
وتحدثنا في إنصراف أكثر الناس عن القراءة الأدبية، وقلت أن القصة باعتبارها فنا من الأدب تستطيع أن تنافس الكتابات غير الأدبية في إجتذاب جمهور القراء. قال: على شرط أن تكون أدباً. . فأن بعض من يكتبونها كما - قلت - يسوقون وقائع لم تعاشرها نفوسهم ولم تتمثلها خواطرهم، فالفن لا ينتج من وحي الساعة، بل لا بد أن يمضي على الأحداث من الأنظار وقت كاف لنضجها وهضمها. ولهذا أرى ألا يفرض على الأديب أن يكون لونا معينا من الأدب وإنما يترك لشعوره وإستجابته
وعدنا إلى حديث المجلات الأدبية وقلة الأقبال على قراءة الأدب، فقال الأستاذ الحكيم: