قلت لك في حديثي الماضي أن الحالة بلغت أشدها من التوتر والجفاء بين العرب والترك، ما ينذر بشر مستطير، بل بثورة عربية كبرى، وغضبة مضربة جبارة. . . وأقول لك اليوم إن البريطانيين ما كانوا غافلين عن كل ذلك، وعما هنالك أيضاً من نضال داخلي، ومشادة سرية بين (الحسين) و (الاتحاديين) ذاع خبرها واشتهر أمرها
وكان اللورد (كتشنر) معتمد بريطانيا العظمى في مصر قبيل الحرب الماضية، ووزير حربيتها في أبانها، أول سياسي بريطاني عمل للتقرب بين العرب والحلفاء، وخاصة بين (آل الحسين) والإنجليز، وسعى لإنشاء صلات ودية منهم وبين حكومته، أملا في اجتذابهم واكتسابهم بعد ما اكتسب الألمان الترك
ففي أواخر شهر سبتمبر (أيلول) عام ١٩١٤ وصل إلى مكة تاجر مصري من حي الجمالية اسمه علي أفندي أصفر يحمل إلى الشريف عبد الله (أمير شرق الأردن اليوم) من المستر (ستورس) السكرتير الشرقي لدار الحماية كتاباً خاصاً عن الصداقة العربية - البريطانية، فلم يطلع الأمير عبد الله والده (الحسين) على الكتاب بل أكرم الضيف المصري وصرفه بسلام. غير أن الرسول عاد بعد أسبوعين يحمل كتاباً آخر من المستر (ستورس) نفسه كله وصداقة وإخلاص، فاطلع الأمير حينئذ والده على الكتابين، وبحثا في الأمر مليا
وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) سنة ١٩١٤ عاد السيد علي المصري إلى الحجاز يحمل كتاباً ثالثاً من المستر (ستورس) كان السبب في ابتداء المفاوضات والمكاتبات بين العرب والحلفاء بصورة عامة، وبين الحسين والإنجليز بصورة خاصة
وفي شهر أكتوبر ٠تشرين الأول) عام ١٩١٥ عقد (مؤتمر الطائف) بين الحسين وأنجاله، وفيه قرروا إعلان الثورة العربية بالاتفاق مع البريطانيين على أساس استقلال العرب وتحريرهم ووحدتهم. ومما قرروه في هذا المؤتمر أيضاً أن يعود الأمير فيصل (ملك العراق بعد ذلك رحمه الله) إلى الشام فيتصل برجال العرب فيها، وكانوا يفكرون في أن تبدأ الثورة هنا في ديار الشام فيدرس التدابير ويضع الخطط لتكون عامة تشمل الحجاز