عصى الناس، في قديم الزمان، سيد أرباب الأولمب، السند الأعظم، المهيمن على ملكوت السموات والأرض: زيوس. ومع ما اشتهر به من واسع الحلم، وطول الأناة، وجم المغفرة، فانه لم يشأ أن يمد للعالم في حبل الغواية، لدرجة إنكارهم لذاته، وإلحادهم فيه، وكفرهم به؛ فأقسم ليهلكن حرثهم ونسلهم، وليقطعن دابرهم أجمعين! فأطلق الرياح الجنوبية الهوجاء، وأرسل السحب تتدجى كقطع من الليل البهيم، وأذن للأرض فتشققت ينابيع وعيونا، ثم انهمرت الأمواه من فوقهم، وتفجرت من تحت أرجلهم، وطغى الموج يجرف الدور ويعفي الآثار. وفي أيام قلائل، كان الطوفان يغمر وجه الأرض، ولم يكن ثمة إلا بحر خضم عظيم
وهلك الناس جميعا، وشفى زيوس موجدته عليهم، ثم بدا له أن يعيد مياه الحياة إلى مجاريها، فأطلق الرياح من عقالها، فهبت في شدة وعنف، وأخذت ترشف ماء الطوفان، تعاونها في ذلك مركب أبوللو. . . يوح العظيمة. وبدأت الأرض تجف، وشرع بساطها السندسي الجميل يبدو قليلا قليلا، حتى ازدهرت المروج، وأينعت الخمائل، وسمق الدوح، واهتزت الربى، وأخذت السهول زخرفها. وبدا له مرة أخرى أن يخلق أناسي يعمرون الأرض الجديدة؛ فما كاد يفعل حتى ظهرت حيوانات بحرية هائلة، جعلت تزحف من الماء إلى الأرض، فتهلك الخلق الجديد. وكان أشد هذه الحيوانات وطأة، وأكثرها فتكا، ذلك التنين البحري الهائل، الذي كان يصمد للعصبة القوية من الرجال فيفنيها عن آخرها؛ حتى ضج الناس واستغاثوا، وجأروا بالدعاء إلى زيوس الرحيم، فرق لهم وحدب عليهم، وأرسل أعز أبنائه من زوجه لاتونا: أبوللو، فأنقذهم من التنين (بيثون) بسهامه التي سددها إليه حتى أرداه
وانثنى ثملا بخمرة النصر، مزهو بما رفع الناس إليه من صلوات وابتهالات، وبينما هو راق إلى سماء الأولمب، إذا أخوه كيوبيد بن أفروديت يصيد الظباء في غيضة لفاء، ويلهو