أخونا الزيات يخاف أن تصنع الصحافة بالكتاب ما صنعت السينما بالمسرح، وكان ذلك لأن السرعة السينمائية قضت على التؤدة المسرحية، وفي التؤدة والتروي فرص للتجويد والتجميل. وسرعة الصحافة قد تفسد الأقلام إفساداً لا تصلح بعده لإجادة التأليف، وبذلك ينقرض الكتاب، وهو المرجع الأصيل لتثقيف العقول
حول هذه القضية ثارت آخر معركة بيني وبين الأستاذ مصطفى صادق الرافعي في سنة ١٩٣٧، وكان ميدانه مجلة الرسالة وميداني جريدة المصري، وهي معركة مشئومة فقد أنذرته بالموت فما قبل أن تنتهي أشواط الصيال.
ومع احترامي لأراء الرافعي والزيات في هذه القضية فأنا لا أخاف على الأدب من السرعة، ولا أراها من الجانيات على الإتقان، ما دامت أثراً من ثورة العقل، وفورة الطبع، وما دامت صورة من اصطخاب العواطف واضطرام الأحاسيس.
والحق أن الكاتب المجيد لا يفوته أبداً أن يدقق في الأسلوب ولو اشتهر بكثرة الإنتاج، والحق أيضاً أن البط ليس دائماً من الشواهد على أيثار التروي، فقد يكون من أثار البلادة الذهنية عند بعض الناس
وبأي حق يخرج الكاتب على روح العصر؟
العصر الحاضر عصر السرعة، فكيف نخرج عليه؟
وكيف نجهل فضل السرعة في تهذيب الأساليب من اوضار التكلف والافتعال؟
وهل عرفت مرونة التعبير إلا عند الأدباء الذين قهرتهم سرعة الصحافة على مواجهة القراء في كل يوم أو كل أسبوع؟
كان المازني جاحظي الأسلوب قبل أن يشتغل بالصحافة، ثم جرفته السرعة فصار المازني الذي نعرف، المازني الذي يكتب بلا تزين ولا تهويل، في حدود هي الغاية في البيان
وهل ينسى الزيات نفسه فضل الصحافة عليه؟
هل كان (وحي الرسالة) إلا دراسات فرضت عليه فرضاً بحكم السرعة التي يوجبها إصدار صحيفة أسبوعية؟ وهل كان من الممكن أن يجود ذهنه بذلك المحصول. لو ترك للظروف