عجب صديقنا الأستاذ الزيات لابن آدم (المخلوق الوحيد الذي يرى الشيء الواحد بعينيه الاثنتين أبيض تارة وأسود أخرى على حسب الصبغ الذي يلونه به الهوى)
وضرب لذلك أمثلة شتى، منها أن راديو باري أذاع منذ ليلتين أن فريقاً من الطلاب الهنود تظاهروا في بمباي فأعترضهم فئة من الشرط الإنجليز فتفرقوا في شوارع المدينة أباديد بعد أن أصيب نفر منهم بجروح. ثم عقب المذيع على هذا الخبر بأن الاعتداء على المتظاهرين بالضرب ينافي المدنية، ويجافي الخلق، ويصم الذين ارتكبوه بالقسوة الوحشية والبربرية الأثيمة. ثم أعلن المذيع في هذه الإذاعة نفسها أن مليوناً من جنود المحور قد اقتحموا بالدبابات الثقيلة والطيارات المنقضة والسيارات المدرعة منازل ستالينجراد على الروس وفيهم النساء والأطفال والشيوخ والمرضى، فدكوا كل بناء، وسحقوا كل حي، وركموا أشلاء القتلى في الحجرات والطرقات على صورة لم يرها الراءون ولم يروها الراوون. ثم أخذ هذا البوق البشرى يهذي بفضل هذا النصر على المدنية، وينوه بعظيم أثره في مستقبل الإنسانية)
وأتى الأستاذ بأمثلة متعددة في هذا المعنى تؤيد شقاء الإنسانية بين العقل والهوى
وإنه لشقاء باق لن يزول أبداً، ولن يزال الهوى يرينا الشيء شيئين واللون لونين ما دمنا نحس ونرى، وقد
أعيا الهوى كل ذي عقل فلست ترى ... إلا صحيحاً له حالات مجنون
وقد تناوله صديقنا الزيات من هذه الناحية فأبرزه في صور الحياة اليومية التي لا يخطئها من يرقبها
فهل هو نقص لا يوازنه جانب كمال؟ وهل هي آفة لا عزاء فيها لبني آدم؟ وهل نغير ما طبعنا عليه من هذه الخليقة بما طبعت عليه سائر المخلوقات من توافق وتشابه حالات؟
مصيبتنا أننا لا نستطيع!
لأن الإنسان لا ينقص إلا من حيث يزيد. فهو يعرف الخطأ لأنه يعرف الصواب، ويختل في هندسته من حيث يتقن تنحل هندسته كل الإتقان، لأنه أعلم بالهندسة من النحل لا لأنه