أجهل منه بفنونها وأنواعها. . . فهو يشتري الخطأ بثمن، لأنه لا يشتري الصواب إلا مخلوطاً به، مضافاً إليه
نحن نرى الشيء أشياء لأننا نرى
أما سائر المخلوقات فهي لا ترى إذ تنظر بعينيها. وإنما الأصح أن يقال إنها تلمس الأشياء بالعين على نحو من اللمس بالأيدي، فلا تقبل عندها التعدد والاختلاف
وهكذا الآدميون الذين يشبهون تلك المخلوقات
إنهم يلمسون الأمور بأعينهم كما يلمسونها بأيديهم، ولكنهم لا يرونها متعددة الحالات، متعددة الألوان، متعددة الوقع في الخواطر والأهواء؛ وإن تعددت عندهم قليلاً فهو أقرب تعدد إلى التوحيد
كنت أقول لبعضهم والألمان يدخلون باريس: إنهم سينهزمون
وكنت أقول لبعضهم والألمان يتقدمون الأراضي الروسية: إنهم سينهزمون
فكانوا يقولون: ولكننا نرى أنهم سينتصرون لأنهم منتصرون. . . فأقول لهم: ما هذا برأي. هذا لمس بالعين. هذا ما تبصرونه كما تبصره كل عين حيوانية تفتح أجفانها، وإنما الرأي غير هذا. الرأي ما يبصرك بالانهزام وأنت تنظر إلى النصر الملموس. فإن لم يفدنا الرأي هذه الفائدة فلا خير فيه، ولا حاجة بنا إليه مع وجود العيون والأجفان. إذ حسبنا بالعيون والأجفان أن تفتحها فنلمس بها، ثم لا نفكر ولا نرى خلاف ما تبديه
وهكذا يبصر الإنسان وجوه الرأي لأنه لا يرى الشيء على حالة واحدة ولا يستوفيه كله في صورة حاضرة
فهو يبصر الوجوه الرأي في الضرب مثلاً لأنه يحسه لذيذاً في حين ومؤلماً في حين ولا يحسه في بعض الأحايين
يحسه لذيذاً حين يكون هو الضارب، ويحسه مؤلماً حين يكون هو المضروب، وليس يحس له لذة ولا ألماً حين لا يكون ضارباً ولا مضروباً ولا شأن له في الحالتين
ومن العسير عليه جداً أن يعرف ما هو الضرب إذا عرفه على وجه واحد، ولم يعرفه على شتى الوجوه
ومن البعيد جداً أن يراه بالحق إن لم يره بالهوى على اختلافه، فيحبه ويبغضه وينظر إليه