بين الحب والبغض، و (يراه) بعد ذلك مستجمعاً بجميع هذه الوجوه
وهذا هو باب الكمال في تعدد الأهواء وتعدد الحكم على العمل الواحد إذ نعمله نحن وإذ يعمله الخصوم، وإذ يعمله من ليس من الخصوم ولا من الأصدقاء
وكل صورة من صورة هذه تمام لغيرها، ولا سبيل إلى التمام فيها بغير هذا التعديد
يقولون في الصعيد: إن نواتياً سمع مضغاً قوياً في مخزن الخبز الخاف من سفينته، فأشفق من نفاذ المؤنة في الطريق وصاح مغضباً: من هذا الذي يقضم في الخبز قضم الحمار؟
فقيل له: ابنك حسن!
قال: اسم الله عليه! أهو الذي يقرش هكذا قرش الفوير؟
والرجل قد صدق بعض الصدق فيما سمع من قضم حمار ومن قرش فوير، فإن أكل ابنه من الخبز يسره ولا يؤذيه، وإن انطلاق الغريب عليه يؤذيه ولا يسره. ويبقى أن يسمع المسافر الذي لا يسمع حماراً ولا فويراً، ولكنه يسمع الصوتين على حسب ما عنده من الزاد
وما أعجز الإنسان أن يتبين حقيقته بهذا الصغر وبهذه البساطة ما لم يسمع من جانب مخزن الخبز صوت حمار وصوت فأر وصوت إنسان
هذا نقص في خليقة بني آدم يؤدي إلى تمام
وإنما هو نقص دائم إذا وقف حيث هو ولم تجتمع صوره الكثيرة في صورة واحدة هي أدنى إلى الصدق وأبعد من الهوى وأوسط في الرأي بين مختلف الآراء
وذلك هو النقص الذي يحبه جماعة من أصحاب المذاهب الاجتماعية ويفرضون دوامه ويحضون على الاقتداء به في فهم التاريخ، ونريد بهم الشيوعيين
فهم يجعلون الهوى فرضاً لزاماً في معالجة كل حقيقة من حقائق الحياة
ويكتبون التاريخ فيذمون من لا يستحق الذم، ويثنون على من لا يستحق الثناء، لأنهم يستوحون المصلحة الشيوعية، ويعلنون أن الخروج من هوى المصلحة في تقدير الأمور مستحيل
فأما أنه مستحيل فلا، لأن الإنسان يعرف الفرق بين صوابه وهواه، وإن أحب هواه وآثره على الصواب