للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فائدة هندسية]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

كيف تقيس المسافة بين نقطتين؟ أما أنا وأنت - أو أنت وأنا، كما يقضي الأدب الحديث أن أقول - فان الواحد منا يقف ثم يروح يخطو بين النقطتين كالجندي الحديث العهد بالتدريب العسكري، ويقول وهو يفعل ذلك: (واحد. . . اثنين. . ثلاثة. . الخ) ثم يضرب عدد الخطوات في طول كل خطوة فيكون الناتج هو المسافة التي يراد قياسها. أو يفعل شيئاً آخر: يجئ بحبل ويمده بين النقطتين ثم يعقد عقدة في كل ناحية، ثم يجئ بمقياس كالمتر ويقيس به ما بين العقدتين، فإذا لم يكن ثم متر، فان المسافة بين أنامل يمناك - حين تمد ذراعك - والكتف اليسرى طولها متر.

ولكن لي صاحباً يعرف طريقة أخرى في قياس المسافات المستقيمة أبرع مما نعرف، وقد حدثني بها ووصفها لي. ونحن نتغدى منذ أيام قال:

(لا علم كالهندسة. . . أعني أنها علم مضبوط لا موضع للخطأ فيه)

وأنا - كما يعرف القارئ - لا علم لي بالهندسة ولا بسواها مما هو منها بسبيل. ولست ادري إلى هذه الساعة كيف أمكن أن أجتاز الامتحانات المدرسية التي كانت تعقد لنا في المدارس، أو في السرادقات، وقد كان مما نمتحن فيه الهندسة - بأنواعها، فإنها كثيرة - والجبر والحساب وحساب المثلثات إلى آخر هذا الذي نسيت حتى أسماءه. وأحسب أن الذين كانوا يراجعون أوراق الإجابات كانوا يقولون إن هذا المازني سيكون أديباً كبيراً، والأدب لا يتطلب العلم بالرياضة، ومن الخير للأدب أن ندعه يخرج بشهادته وأن لا نعطله بالرسوب. فإلا يكن هذا هكذا، فليقل لي من يدري كيف أمكن أن أجتاز هذه الامتحانات في علوم الرياضة والكيمياء أيضاً والطبيعة كذلك؟ فإني أذكر - الآن - أني كنت أملأ أوراق الإجابة عن أسئلة الرياضة وما إليها من المعارف المستحيلة بالرسوم والتصاوير: رسوم فتيات وطيور وبقر وجمال، وكنت أفرد الصفحة الأخيرة من ورقة الإجابة لأساتذتي في علوم الرياضة، فأرسم بضعة خطوط هنا، وأكتب تحتها (المستر فلان) معلم الحساب، وخطوطاً أخرى تحتها وأكتب إلى جانبها (المستر علان) مدرس الجبر وهكذا ومن يدري؟. لعل رسمي لأساتذتي كان يرضيهم ويعجبهم، فيدعون جواب المسائل ويمنحوني الدرجات

<<  <  ج:
ص:  >  >>