إنه ينبغي أن يصنع ذلك لأنه يحس، وإنه يحس لأنه يحيا فمن من يا ترى يريد أجراً على الحياة! إن كان عبداً فمن سيده فليطلب أجره لو كان سيد يعني بتهذيب عبيده؛ وإن كان هو سيداً فهو مالك حياته وكفى أنه يحيا تعليلاً لكل عمل وترغيباً في كل مطلب وتقويماً لكل عزيز نفيس.
ولقد يخطئ بعض الفلاسفة المصلحين في تقويم الفنون فيستكثرون ما أنفقت عليها الدول والملوك الثروات من مال وفير وجهد عنيف. كذلك أخطأ تولستوي في كتابه عن الفن الجميل وهو نفسه قد أنفق عمراً مديداً في خدمة الفن الجميل.
على أن خطأهم قريب المأخذ سهل المراجعة من ناحية الحساب، إذ ليس القياس في هذا الصدد أن ننظر إلى مدينة مثل (هليوود) كم تنفق من الملايين على الروايات والممثلين! وإنما القياس أن ننظر إلى مدن العالم كم عددها بالقياس إلى (هليوود) وحدها أو كل مدينة جرت على مجراها.
وليس القياس أن ننظر إلى الموسر كم يبذل من الألوف في تمثال واحد، وإنما القياس أن ننظر إليه والى كل فرد كم ينفق على خبزه وكسائه وسكنه وراحته، وكم ينفق على الفنون الجميلة التي يهواها من تماثيل وأغان وأشعار؟ ومتى نظرنا هذه النظرة علمنا أن الكماليات لا تجور على الضروريات، وأن قياس النفقات على ما يسمى بالكماليات والنفقات على ما يسمى بالضروريات أقل من قياس الآحاد إلى المئات.
إلا إننا نعود فنقول إن الفنون الجميلة ضروريات في الأمم وإن عدت نوافل في آحاد الناس، وإنها ضروريات لمن ينشد (العيش الأكمل) ولا يقنع بكل عيش بأنها ضروريات لمن يسأل: كيف نسود؟ وإن كانت هباء عند من يسأل: كيف نعيش؛ وأحرى به أن يسأل: كيف نموت؟ فعيش هذا وموته سواء.