الغربي الماهر في عمله، ولعله يبذه ويسبقه في الوقت والبراعة.
إنما يفوقنا الغربيون بالعلم الملحوظ لا بالعلم المصنوع: يفوقوننا بعلم الملاحظة والابتكار والاختراع؛ يفوقوننا بالعلم الذي يحتاج إلى عين لا تفوتها الرؤية، وبديهة لا يفوتها الإدراك، وخيال لا يفوته تركيب الصغائر وضم الأجزاء إلى الأجزاء حتى يتألف منها المصنوع الجديد.
وما هذا الذي يفوقوننا به غير ملكة الحس والتخيل التي يترجمها المصور تمثالاً والموسيقي لحناً والشاعر قصيداً والمخترع صناعة حديثة؟ ما هو غير أن نحس ما حولنا ونقرن بين إحساس وإحساس حتى نستخرج منها جميعاً صورة كاملة في عالم العلم أو في عالم الفن أو في عالم التجارة؟
فليست المقارنة بين العلم والفن مقارنة بين طيارة تنفع في التجارة والحرب وتمثال لا ينفع لغير الزينة، بل هي مقارنة بين ملكة مستنبط لا تتم بغيره الحياة، وملكة مستنبط لا تتم بغيره الحياة!
وإذا فقدنا الفنون الجميلة فليس كل ما نفقده إذن هو تمثال الرخام الذي لا يصلح لغير الزينة، بل نحن فاقدون جزءاً من حياتنا وجزءاً من العلاقة بيننا وبين الدنيا، وعائشون عيشة الممسوخ الأبتر المحجوب عن جوانب دنياه.
إن الرجل البصير يرى الحجر كما يرى الجوهرة، ولكنه إذ عجز عن رؤية الحجر وهو أمامه فليس الحجر وحده بالمفقود في نظره، بل المفقود كل شيء يتراءى لعينيه.
لقد حيينا في خدمة غيرنا عصوراً طوالاً حتى أوشكنا إذا قيل لنا:(اشعروا بالحياة) أن نطلب أجراً على حياتنا
فالرجل الذي يسأل: ما فائدة الفنون الجميلة؟ هو كالرجل الذي يسأل: ما فائدة العين؟ وما فائدة الأذن؟ وما فائدة الشعور؟ وما فائدة الحياة؟
وإن الإنسان لينظر إلى الروضة ولا يبسط يديه بعدها إلى أحد يعطيه أجراً على ما رآه، فلماذا يحس الجمال وهو يسأل عن فائدة الإحساس؟ ولماذا يعبر عن الجمال وهو يسأل عن فائدة التعبير؟ ولماذا يقتني التمثال وهو يسأل لماذا تقتنيه؟ ولماذا يسمع الغناء وهو يسأل لماذا أصغي إليه؟