. . . كانت هناك من الجهة الأخرى حق واحد - كان التشريع الاجتماعي في الإسلام حازما فيه، ومشدداً، هو حق العلاقات الشخصية التي تشتمل على الزواج والطلاق والإرث. وليس السبب في هذا الحزم أن هذه العلاقات عامة يمتد تأثيرها إلى كل فرد في المجتمع فقط، بل أيضا لأن تنظيماتها الأساسية واضحة في القرآن. وليس هناك - كما رأينا - مسلمون - إلا قليلا - يرغبون في الجدل في أن القرآن هو الكلام الحقيقي لله. ولئن كانت الثغرة التي بين الاعتقاد في ضرورة التغير، وبين التغيير الحقيقي في القانون، لا يمكن وصلها بسهولة وسرعة في أي نظام، فإنها ستتأثر قطعا بالثورة؛ كما قد حدث في تركيا. ولذلك نجد في كل دولة إسلامية - ما خلا تركيا - أن القانون الفردي للمسلمين لا تنفذه المحاكم الأهلية، وإنما تنفذه المحاكم الدينية أو الشرعية. بل كان لكل طائفة من الطوائف الدينية المختلفة محاكم تنفذ قوانينهم، طبقا لنظمهم المرعية في تقاليدهم الدينية.
وفي الحق أن ميدان العلاقات الشخصية هذا، هو الوحيد الذي طالب المجددون فيه بالإصلاح، وقد بلغ الخلاف أشده بين الأحرار والمحافظين. فليس من شك في أن الوعي الاجتماعي عند الطبقات المثقفة قد أيقظته المساوئ التي صبحت انتشار الطلاق وتعدد الزوجات، فهم قد تنبهوا إلى نتائج قانون الميراث في القرآن وقانون الأوقاف والصدقات. . . .
ويصف القرآن في تفصيل دقيق، الأنصبة والنسب التي توزعبمقتضاه التركة بين الورثة والمستحقين فأعطى لمن يرث من النساء بوجه عام - نصف ما يخص زملاءهن من الورثة المذكور. وليس من الصعب أن نلمس مدى عدالة هذه القاعدة، عندما تطبق على الملكية المنقولة (آلت يكانت الشكل البدائي للملكية في بلاد العرب) بيد أنه حينما تطبق على الملكية الزراعية، أو رأس المال في الصناعة، تكون النتائج وخيمة من الناحية الاقتصادية. فأوقاف الأسر المعوزة وهباتها كانت سببا في التدهور الأخلاقي والخسارة الاقتصادية. لزمن مضى كانت هناك حركة جامحة في مصر وبعض الأقطار الأخرى