يأسى كل محب لفن التمثيل لهذا المصير المحزن الذي آل المسرح المصري اليوم، ولكن أنى للأسى والحزن أن يقوماً ما اعوج من الأمور، أو أن ينفخا الروح في الجسد الهامد المستكين؟
لن يصبح للمسرح المصري شأن إلا يوم يتكاتف العاملون من رجاله، فينصرفون إلى البحث الهادئ ووضع الخطط السليمة دون ميل مع الهوى، أو خضوع لأي مؤثر عاطفي، ودون أن يقفزوا إلى نتائج مبتسرة لا تسندها مقدمات منطقية معقولة.
وقد رأيت أن أدلي على صفحات الرسالة ببعض ما يعن لي من آراء، راجياً أن يقابلها رجال المسرح بصدر رحب، وألا يسخطوا علي ما قد يكون فيها من صراحة تؤلم، فإنه الألم من مشراط الجراح يعقبه البدء بإذن الله.
نشأة المسرح المصري مفتعلة:
المتأمل في نشأة المسرح في مختلف البلاد يجد أنه انحدر من صلب العقيدة الدينية، وأن أولى خطواته كانت من عمل الكهان ورجال الدين، وأولى حفلاته كانت تقام في المناسبات الدينية.
فهذا المسرح اليوناني، وهو أقدم المسارح المعروفة لنا، والمدروسة دراسة واضحة؛ نشأ هذا المسرح عن ديانة الإله ديونيسوس إله الخمر عند اليونان.
كانت عبادة ديونيسوس ترمي إلى حياة الكروم، هذه الأشجار التي تجف سوقها وتذبل أوراقها في الشتاء، ثم تعود مع الربيع إلى الحياة، فتدب الحياة في تلك السوق، وتظهر الأوراق اليانعة وتثمر ثمرها الشهي، فإذا طاب الثمر عصره القوم وخمروه ليبعث في نفوس شاربيه السرور والنشوة. فديونيسوس إذن إله يحيا ويتألم ويموت، ثم يبعث حيا!
ولما كان الكرم هو أهم المحاصيل اليونانية، وكانت الماعز هي أهم ما يربى من حيوان، فقد احتفل اليونانيون بإله الخمر بعد أن مزجوا عبادته بعبادة الماعز، فكانوا يقيمون الحفلات العامة في أواخر مارس وأوائل إبريل، ويجعلون من مذبح الإله، وهو ما كانوا يسمونه (التيميليه)، مركزاً للاحتفال، فكانت جوقة المنشدين تجتمع لتدور حوله مغنية