راقصة، بعد أن يلبس أفرادها جلود التيوس، ومن ذلك الوقت اصبح الديترامبس وهو الغناء التوقيعي الذي تقوم به الجوقة يسمى التراجيديا أي غناء التيوس (وهو لفظ مركب من أي التيوس وأي غناء) ومن ذلك الوقت أصبح الكهنة والمتعبدون يلبسون جلود التيوس في حفلاتهم الدينية تشبهاً بالساتير وهم صحابة الإله ديونيسوس.
ولم يقتصر الأمر على الغناء والرقص، وإنما عمد الكهان إلى تمثيل طرف من حياة الإله يصلح لأن يكون نواة التمثيلية، فكان أحد الكهنة يمثل شخصية عدو من أعدائه الذين يريدون به الشر، ويطارد حورية من حوريات الإله وقد أمسك بيده فأسا يهددها به، فتجفل الحورية، وتفر منه وقد ملأها الرعب واستبد بها الخوف. واستمرت الحال زمناً، ليس إلا رقصاً وغناء لا يجمعه نظام خاص، وإلا مشاهد صامتة فيها طرف من أسطورة وطرف من حركة ولكن لا حوار فيه. استمرت الحال كذلك إلى أن جاء الشاعر أريون، الذي حول هذا النشيد الساذج إلى فن، إذ فصل بين الجوقة ورئيسها، وجعل هذا يعني فردياً لم يكن موجوداً من قبل، فترد عليه الجوقة مجتمعة، ومن هنا نشأ الحوار.
ثم جاء دور تسبيس الذي يعتبر المبدع الأول للمأساة اليونانية إذ أنه حول هذه الأغاني والرقصات إلى حوار كامل، رفعه أئمة المسرح اليوناني اسكيلوس وسوفوكليس يور وبيديز إلى مرتبة الفن الكامل.
وكما تطور الفن المسرحي من الرقص والغناء الساذج إلى المسرحية الفنية الكاملة، كذلك تطور الموضوع، فبعد أن كان وقفاً على تمثيل حياة الآلهة، أضاف اليونانيون إليه حياة الأبطال، فأخذوا يتغنون بها، ويمثلون قصصاً منها، معتمدين في ذلك على القصص الطرادي والقصص الطيبي، ثم طغى تمثيل حياة الأبطال على حياة الآلهة، وانفرد بالأمر، ولم يعد للآلهة مكان على المسرح، ولكنها ظلت مع ذلك في المسرح اليوناني تسيطر على أعمال الناس وتتحكم في مصائرهم.
ولم يشذ المسرح المسيحي عن ذلك، ومن عجب أن ينشأ المسرح في أحضان الكنيسة، وهي التي حاربت التمثيل الروماني وكانت سبباً من أسباب انهياره! ولكن لا غرابة في ذلك، فقد أثبتت الدراسات المختلفة في علم الاجتماع وطبائع الشعوب، أن كل ذين قابل لأن ينشئ حادثة مسرحية، وأن جميع الطقوس الدينية قابلة لأن تتخذ الشكل الدراماتيكي،