للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المسلمون بين الشرق والغرب]

عند ظهور الإسلام

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

- ١ -

ظهر الإسلام والعالم منقسم إلى كتلتين كما ينقسم الآن، كتلة شرقية تقودها دولة الفرس من الأكاسرة، وكتلة غربية تقودها دولة الروم من القياصرة، والتاريخيعيد نفسه، وقد وقع العرب بين هاتين الكتلتين فيما يقع فيه الآن أهلالشرق الأدنى بينالكتلة الشرقية بقيادة روسيا الشيوعية، والكتلة الغربية بقيادة أمريكا وإنجلترا، وكان كل من الكتلتين يقود فريقا من العرب إلى ما بينهما من حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل كانوا هم الذين يغرمون دائماً من أنفسهم وبلادهم، وكان الغنم لصاحب النصر من الفرس أو الروم.

وكانت السياسة الخادعة المفرقة قد قسمت العرب إلى قسمين وأقلمت فيهم دولتين: تقوم إحداهما بجانب الفرس، وهي دولة المناذرة بالعراق، وتقوم الثانية بجانب الروم، وهي دولة الغساسنة بالشام، وكان الفرس هم الذين يوجهون سياسة الدولة الأولى، كما كان الروم يوجهون سياسة الدولة الثانية، فإذا قامت حرب بين الفرس والروم كان المناذرة بجانب الفرس، وكان الغساسنة بجانب الروم، وقام فريق من القبائل العربية بجانب المناذرة، وقام فريقآخر منها بجانب الغساسنة، وقد انقسم العرب بهذا على أنفسهم، وقامت به حروب كثيرة بين المناذرة والغساسنة، بين القبائل العربية بعضها وبعض، حتى ضعف شأن العرب بهذه الحروب، وكانت بلادهم تقع فريسة في أيدي الطامعين فيها بلدا بعد آخر.

وكانت ببلاد العرب دولة كبيرة يتلف العرب جميعا حولها، وهي الدولة الحميرية باليمن، وكان كل من دولتي الفرس والروم لا يرتاح إلى وجودها ببلاد العرب، لأنها كانت تأبى أن تقف منهما موقف دولتي المناذرة والغساسنة، فيعمل كل من الروم والفرس على إضعافها والاستيلاء على بلادها، وكان أن سلط الروم دولة الحبشة على هذه الدولة، فاستولت عليها قبيل ظهور الإسلام. وحكمتها نحوا من سبعين سنة، حاولت خلالها أن تستولي على بلاد الحجاز وغيرها من البلاد العرب، ولما رأت أن الكعبة هي الرمز الديني الذي يجمعهم،

<<  <  ج:
ص:  >  >>