للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تعقيبات]

للأستاذ أنور المعداوي

جان بول سارتر والشيوعية:

بالأمس كان جان بول سارتر زعيم الوجوديين في فرنسا خصماً للشيوعية؛ خصماً لا أحسبني غالياً إذا قلت إن الشيوعيين لم يلقوا لوطأته مثيلاً على طول ما تعرضوا له من حملات الخصوم. ذلك لأن سارتر كاتب أحدث من الدوي في العصر الذي نعيش به ما لم يحدثه كاتب آخر، حتى ليمكنك أن تقول إنه أكثر الكتاب المعاصرين شهرة وأوسعهم نفوذاً وأبعدهم تأثيراً في نفوس الجماهير! من هنا لم تستطع الشيوعية أن تتجاهل خطورته ولا أن تتغاضى عن خصومته فمضت تحاربه وتحارب أثاره بكل سلاح. . حاولت أن تغض من قدره كفيلسوف له في الفلسفة مذهب، وحاولت أن تقلل من أهميته كأديب له في الأدب طريقة، وحاولت أن تسخر من جهوده كإنسان له في المجتمع رسالة! قالت عن فلسفته في (الوجود والعدم) إنها فلسفة العدم ولا شئ سواه، وقالت عن أدبه إنه أدب الانحلال وإنه خطر على الحضارة، وقالت عن رسالته الاجتماعية إنها رسالة الأثرة والأنانية لأنها تحصر اهتمامها في الفرد دون أن تلتفت إلى المجموع؛ وخلاصة هذا كله إن سارتر كاتب يخون شرف الثقافة! قالت هذا وحاولت ذاك والهدف البعيد واضح ومقصود، وهو أن تثير في النفوس عاصفة من الشك وفي الأذهان زوبعة من القلق حول كل ما يدلي به زعيم الوجوديين من أراء وأفكار، حتى إذا ما نجحت في هذا الذي تهدف إليه فقد انهارت ثقة الناس في صدق ما يوجهه إلى الشيوعية من هجوم!!

ترى هل نجحت الشيوعية فيما قصدت إليه من وراء حملاتها على الوجودية وحققت هدفها المنشود؟ كلا! والسبب إنها تلجأ إلى المغالطة وتسرف في الادعاء حين تحاول النيل من زعيم الوجوديين على النحو الذي صورناه. . إن سارتر حين يدافع عن حرية الفرد في التفكير والتعبير واختيار لون الحياة الذي يريد، لا يدافع عن حرية فرد بعينه حتى يجوز للشيوعيين أن يتهموا أدبه بأنه أدب الذاتية والفردية. إنه يدافع عن حرية كل فرد ومعنى هذا إنه يدافع عن حرية المجموع؛ وفي ضوء هذه الحقيقة تتضح لك المغالطة التي تهدف إلى غرض معلوم! إن رأى سارتر الذي يؤمن به ولا يتحول عنه هو إن حق الفرد في ظل

<<  <  ج:
ص:  >  >>