للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النظام الشيوعي مهدر وأن حريته ملغاة؛ حقه في أن يعيش على الوجه الذي يحب وحريته في أن يفكر ويعبر بالأسلوب الذي يشاء، لان الشيوعية قد رسمت خطوط اتجاه فكرية معينة ثم فرضتها فرضاً على الحياة العقلية والاجتماعية. . إلغاء لحرية مقررة وإهدار لحق مشروع، وهذا هو مبدأ الخلاف أو الجوهر الخصومة بينه وبين الشيوعيين!

لقد أخرج سارتر للناس يوماً نظرية في الأدب هي نظرية (الالتزام) وخلاصتها إن الأدب يجب أن يكون صورة صادقة للجو الذي يحيط به، أن يكون مرآة صافية للمجتمع الذي ينتسب إليه؛ أن يكون لساناً معبراً للجيل الذي يعيش فيه. . . وهذه هي التبعة التي يجب أن يتحملها الأدب وهو عنها مسؤول. على الأديب أن يتصل بما حوله اتصالاً كاملاً حتى لا يكون بمعزل عما يعانيه مجتمعه من مشكلات، سواء أكانت مشكلات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية. عليه أن يشارك بقلمه في رسم صورة أمينة لتلك المشكلات وعليه أن يشارك برأيه في كل ما تحتاج إليه من حلول، وهذا هو التزام الأدب وهذه هي رسالة الأديب! إن سارتر ينكر أدب الأبراج العاجية أو هذا الأدب الذي لا يعبر عن أحزان الناس وأفراح الناس، وحاجة كل فرد إلى أن يعيش حر الرأي وحر العقيدة وحر الحياة. . ترى هل تستطيع أن تهضم بعد هذا كله قول الشيوعيين بأن رسالة سارتر هي رسالة الأثرة والأنانية، لأنها تحصر اهتمامها في الفرد دون أن نلتفت إلى المجموع، وأنه تبعاً لذلك كاتب منحرف ضال يخون شرف الثقافة؟! يوم أن طلع سارتر على القراء بنظرية الالتزام في الأدب هتف الشيوعيين: إذا كانت هذه هي أهداف سارتر وهي نفس أهدافنا فلماذا لا ينضم إلى الحزب الشيوعي فيريح ويستريح؟! قالوها ونسوا أن زعيم الوجوديين قد طالب في نظريته الالتزامية بحرية الفرد كاتباً وبحريته قارئاً وهو يحدد رسالة الكتاب والقراء. . إن الكاتب في رأي سارتر يجب أن يكون حراً فيما يكتب، وأن القارئ يجب أن يكون حراً فيما يقرأ، وبهذا وحده يتاح للأدب أن يكون ملتزماً حين يعبر عن مشكلات المجتمع وحين يبحث لهذه المشكلات عن علاج. وما دامت الشيوعية في رأيه لا تتيح للكاتب والقارئ مثل هذه الحرية فما أبعد الشقة بينها وبينه وما أعمق هوة الخلاف، بل ما أعجب هذا المنطق الذي يخاطبه به الشيوعيين!!

في سبيل حرية الفرد خاصم سارتر الشيوعية بالأمس فاتهمته بأن هذه الخصومة لم تكن

<<  <  ج:
ص:  >  >>