الحرية في المذهب الوجودي من أهم وأخطر نظرياته. ولعلنا نستطيع أن نصفها بأنها العمود الفقري الذي تدور حوله كل فلسفات الوجوديين مهما اختلفوا بصدد المشكلات الأخرى. والفلسفة الوجودية إذ تنادي بهذه الفكرة إنما تريد أن تدع للإنسان فرصة التفكير في نفسه والرجوع إلى ذاته والاحتكام إلى رأيه الخاص في كل مشكلة تعرض له وفي كل موقف يتخذه بمناسبة من المناسبات. فمرد الإنسان إلى ذاته دائماً عند إتيان الأفعال وإبراز الحركات في الفلسفة الوجودية. ومن هنا تمحى كل آلية ويبقى الإنسان محافظاً على جدته وبكارته الأولى.
فالحرية بهذا المعنى تؤكد البدء دائماً، وبالتالي هي الجسر الدائم من اللاوجود إلى الوجود، من الإمكان إلى الواقع الحي. وننبه هنا بهذه المناسبة إلى شيء في غاية الأهمية، وهو أن الوجود الإنساني في حد ذاته لا يعد وجوداً ولا ينظر إليه بوصفه واقعاً، وإنما هو إمكان مطلق، فمجرد وجودي أنا إمكانية فحسب لا تتحول ولا تصير وجوداً ولا تتجسم في هيئة واقع إلا بعد أن أتحرك وبعد أن آتي جملة من الأفعال. فهذه الحركات وتلك الأفعال هي التي يتوقف عليها الوجود الإنساني الذي يكون حاصلاً بالفعل. وما دام من المستحيل على كل إنسان أن يأتي أفعاله من غير ارتكان إلى نوع الاختيار أو قل ما دام كل عمل يصدر عن الإنسان هو تصرف مبني على فكرة خاصة، كان للحرية أكبر مقام في نفس الإنسان وأخطر أثر في حياته. وواضح أن قيمتها لا ترجع إلى أنها طريقة في العمل ووسيلة إلى التأدية فقط، وإنما ترجع إلى ضرورتها بالنسبة إلى الحياة بأكملها. فالحياة لا يمكن إلا أن تكون فعلاً، والوجود هو وجود العمل والحركة. إذ ما قيمة إنسان حي مغطى بالتراب في باطن الأرض ما دام لا يقوى على العمل وإصدار الحركات وإتيان الأفعال؟ أو قل إذا افترضنا وجود إنسان مغمض العينين، ساكن الجسم، لا يصحو ولا يتحرك، ولا يؤذي ولا يطمع، ولا يمرض ولا يموت، ولا يتمنى ولا يطلب. . إلى آخر هذه الصفات الإنسانية؛ فهل يمكن أن نطلق كلمة الإنسان على هذا المخلوق؟ لا بطبيعة الحال، لأن الوجود وجود خصائص معينة وارتباطات قائمة وأفعال ظاهرة وحوادث في الخارج وليس مجرد وجود