للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[جناية أحمد أمين على الأدب العربي]

للدكتور زكي مبارك

- ١٧ -

أراد صاحبنا أن يقسم الأدب إلى قسمين: أدب تركيبي وأدب تحليلي، ثم بنى على هذا التقسيم أحكاماً خواطئ، كعادته في كل ما يتناول من الشؤون الأدبية وإلا فمن الذي يصدق أن التشبيهات تُعاب بحجة أنها صور تركيبية، وبحجة أن الأمم لا تهتم بالتشبيهات إلا في حالتها الفطرية؟

إن أحمد أمين أفرط في تحقير التشبيه اقبح إفراط، ونسى أنه عمليةٌ ذهنية تشهد بقوة الذكاء، ودقة الملاحظة، والقدرة على ضم الصور بعضها إلى بعض

ولو جارينا أحمد أمين في أحكامه الجائرة لأغضينا عن جمال التصوير في قول ابن المعتز:

لا مثلَ منزلة الدويرة منزلٌ ... يا دار جادكِ وابلٌ وسقاكِ

بؤساً لدهر غيرتك صروفهُ ... لم يمح من قلبي الهوى ومحاك

لم يحلُ للعينين بعدك منظرٌ ... ذُمّ المنازلُ كلُّهن سواك

أي المعاهد منك أندبِ طيبهُ ... ممساك بالآصال أم مغداك

أم بَرد ظلك ذي الغصون وذي الجَنَي ... أم أرضك الميثاء أم ريّاك

فكأنما سُعِطتْ مجامر عنبر ... أوفُتَّ فار المسك فوق ثراك

وكأنما حصباءُ أرضك جوهَرٌ ... وكأن ماَء الورد دمع نداك

وكأنما أيدي الربيع ضحيةً ... نشرت ثياب الوْشي فوقُ رُباك

وكأن درعاً مُفْرغاً من فضة ... ماءُ الغديرِ جَرَتْ عليه صباك

وقد أشرنا من قبل إلى أن أحمد أمين يرى التشابيه ضرباً من الألاعيب، وليس من الكثير عليه أن يرى ذلك فقد رأيتم فيما سلف وسترون فيما بعد أن للرجل طريقة في الفهم تخالف طريقة أهل الأدب

وأُدعم هذا الهجوم بالشاهد الآتي لتسقط حجة من يدّعون أننا نظلمه ونتناسى مكانته الأدبية

قال أحمد أمين إن الأدب العربي جنح إلى التركيب وغفل عن التحليل، وكان دليل ذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>