عنده (أن علماء البلاغة العربية عُنُوا بالإيجاز أكثر من عنايتهم بالإطناب، وأُعجبوا بجوامع الكلم أكثر من إعجابهم بالكلام الطويل المنبسط، بل إن بعضهم كأبي هلال العسكري فهم أن الإطناب تكرار المعاني وطول الألفاظ، وقال: (إن كتب الفتوح وما يجري مجراها مما يقرأ على عوامّ الناس ينبغي أن تكون مطوّلة مطنباً فيها) فكأنه يريد أن يجعل الإطناب أدب العامة، والإيجاز أدب الخاصة)
ذلك كلام أحمد أمين، وهو يدل على أنه لم بفهم كلام أبي هلال وإليكم البيان:
إن كلام أبي هلال معناه أن الكلام له مقامات، فإن خاطبت رجلاً ذكياً فأوجز: لأن الإطناب في مخاطبة الأذكياء يعدّ من التطويل وهو فضول، وأن خاطبت الجمهور فأطنب: لأن الجمهور مكوّن من عناصر كثيرة تتفاوت في الفهم والتمييز والإدراك، والحزم يوجب أن نطنب حين نخاطب الجماهير لنصل إلى إفهامهم ما نقصد إليه من المعاني والأغراض
ذلك معنى كلام أبي هلال، فهو لا يريد أن يقول بأن الأدب يكون أدب خاصة عند الإيجاز وأدب عامة عند الإطناب، وإنما يريد أن يحدد واجب الشاعر والكاتب والخطيب، ودليل ذلك أن علماء البلاغة مجمعون على أن الإيجاز في مخاطبة العامة خطأ، والإطناب في مخاطبة الخاصة ضياع
وعلى ذلك يكون شرف البيان موقوفاً على فهم مقتضيات الأحوال، فالأديب الذي يوجز حين يخاطب الخاصة ليس أعلى منزلة من الأديب الذي يطنب حين يخاطب العامة، كما يتوهم أحمد أمين الذي يكيل الحقائق الأدبية بأوسع المكاييل، مع أنها لا توزن إلا بأدق الموازين
فمن أين فهم أحمد أمين أن الإطناب يراه العرب من المبتذلات حتى يحكم بزهدهم في الأدب التحليليّ الذي يستوفي عناصر الموضوعات؟
وعاب أحمد أمين على العرب أن يهتموا بجمع الحكم والأمثال وعدّ ذلك نتيجة حتمية للأدب التركيبيّ، ولو كان أحمد أمين من المطلعين على الآداب الأجنبية لعرف أن الاهتمام بجمع الحكم والأمثال هو من الأغراض التي يهتم بها أكثر الشعوب. ويقول أحمد أمين إن (الخطب والكتب في كثير من الأحيان عبارة عن جمل قصيرة مركزة محكمة، كالذي نلاحظه في كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري في القضاء وكخطبة زياد