للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٢ - النهضة التركية الأخيرة]

للدكتور عبد الوهاب عزّام

ويقول آخرون أن الترك احتفظوا بالخلافة ما استطاعت قوتهم، ووسعت ثروتهم. فلما نكبتهم الأحداث بما نكبتهم، وضاقت رقعة دولتهم، عجزوا عن الاضطلاع بهذا العبء الثقيل، والتمسك بهذه الأمانة العظيمة فتركوها كارهين.

وجوابنا أن بعض زعماء الترك أشاروا بأن يدعى المسلمون إلى مؤتمر عام ويقال لهم هاكم خلافتكم قد عجزنا عن حملها، فتشاوروا بينكم، وتبينوا أمركم، وسنّوا للخلافة سنة تلائم زمانكم، وتؤاتي أحوالكم. واتفق رجال الحكومة التركية على هذا وأعلموا به عصمت باشا وهو في لوزان. فلماذا نقض أولو الحول منهم ما أبرموه، وسارعوا فنفضوا أيديهم من المسلمين وخلافتهم وآذنوهم أن لا أخوة بيننا وبينكم؟

المسلمون والتقليد

إذا نقدت أمة أمورها، ونظرت في أحوالها، فنفذت إلى بواطنها جهد النظر الثاقب، والروية والفكر، ثم هداها نظرها إلى أن تستبدل سنة بسنة، وحالاً بحال، فتلك أمة رشيدة حميدة وإن أخطأتا الصواب - وقل أن يخطئها - لأنها بذلت جهد الإنسان في تبين الحق، واجتهدت وسعها في إيثار الرشد، ولم تأل في التريث والتمحيص والنقد المتثبت والنظر الصحيح

وإذا أخذت أمة بأسباب التقليد، وأغرمت بالمحاكاة، كلما لاح لها لألاء من أمة عشت إليه، وكلما سمعت نغمة قوم هامت بها، فتلك أمة ضالة وإن نقلت عن غيرها هدى، مخطئة وإن أخذت عن غيرها صواباً. ذلكم بأنها حقرت عقولها، وأغمضت عيونها، وأسلمت إلى يد غيرها أزمّتها؛ لم تنظر لنفسها فتأخذ وتدع ولم تختر بعقلها فتستحسن وتستقبح، بل خبطت خبط عشواء، وانطلقت كالحاطب في الظلماء. هي في ذلك قد أهدرت إنسانيتها بما ألغت إرادتها واختيارها. وإن استمسكت في ظاهرها بما أخذت من نظام، واعتصمت قي رأي العين بما نسخت عن غيرها من سنن، فذلكم ظاهر ليس وراءه باطن، ورواء ليس وراءه حقيقة. تلكم أمة ممسوخة. وقد سمعنا إن أمماً مسخت فأنكرنا، وقيل إنها مسخت قروداً فعجبنا، ثم رأينا عمل بعض الناس في هذا العصر فصدّقنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>