للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[جيل وجيل!]

للأستاذ محمود البشبيشي

من الأجيال ما يطويه الزمن تبعاً لقانون الحياة، ولكنة يطوي الزمن تبعاً لقانون الفكر، فلا يذهب الزمن إلا بأهله، ويذهب فكر أهله في الزمن كل مذهب! والذي يطيل في عمر الأجيال برغم فنائها، ويقصر في عمرها وهي على قيد الحياة، وهو قوة الروح فيها، وحيوية الفكرة في مجموع أفرادها

. . . هذا ما أوحاه إلى حديث بيني وبين ولدي (حسين) وهو شاب له نظرته الخاصة في نثره وشعره، لا يعترف بنظرة غيره إلا بمقدار ما فيها من صلات تربطها بفكرته وبصدق المنطق والعقل. . .

. . . تناقشنا، فكنت أنا وحججي أمثل جيلاً مضى، أو أوشك أن يمضي، يحاول أن يحرج ويقنع ويصلح جيلاً جديداً تجسم في نفس ولدي وفكره. . . وكان هو مؤمناً كل الإيمان بقوله، وإذا وجد الأيمان تفتحت أكمام الحياة والغاية عن ثغور النجاح باسمة جميلة. . .

. . . وحاولت أن أفهمه أن البقاء للقوي، وأن الذي لا يحصن نفسه، ولا يتخذ الأهبة للقاء الشرور والأفراح معاً لا يستطيع أن يقف على قدميه طويلاً، واضطرب أمام النسيم العابر قبل العاصفة الشديدة، وجار عليه كل من أتصف بالقوة وتحصن بها. . . شخص كهذا يقطع مسافة عمره كما يقطعها الحيوان والنبات، لا يسلم من اعتداء القوي والضعيف!. . .

حاولت أن أفهمه هذا فقال: إذن فأنت ترى أن البقاء للقوي، وان الذي لا يتصف بالقوة مثله كمثل النبات والحيوان الضعيف، وظاهر قولك من حكمك على النبات بالضعف أن الإنسان يزرعه ليقلعه! وهذا ما يحدث. . . ولكني لا أرى ضعف النبات كما تراه أنت ضعفاً بمعناه الذي هو ضد القوة، بل أراه قوة البقاء في النبات! فالقوة عندي ليست تلك التي يقع تحت صفاتها التدمير والجور والشدة، وإنما هي قوة الروح فقط!

. . . وهذا الضعف في النبات هو أسمى درجات قوة الروح، فأنت لا تقتلع النبات إلا بعد تمام أكتماله، أي بعد تمام قوة الروح فيه، فتستفيد منه ذلك غذاء وبناء للأجسام، وهذه الفائدة هي قوة الروح في النبات، فهو لا يفنى لضعفه، إنما ليكون حياة أخرى ويجدد بناء آخر، الفضل فيه لقوة روحه الكامنة في عناصره. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>