يمكننا أن نقول أن الكواكب في مسارها حفظت للجنس البشري عبقرية جاليليو. وجاليليو هو الابن البكر لأب فقير، بدأ تعلمه في دير بالقرب من فلورنسا، وبينما هو على وشك أن يكون راهباً رأى أبوه أن يرسله إلى جامعة بيزه ليتعلم فيها علوم الطب، مستعيناً على ذلك بموارد الأسرة الضيقة المحدودة.
وبينا كان الطالب الصغير يقضي بعض أوقات فراغه في العبادة بكاتدرائية بيزه، لاحظ أن المصباح الهائل المعلق في سقفها يتأرجح كما لو كان به مس من تيار شارد من الهواء، ولحظ أيضاً أن قوس التذبذب سواء أكبر هذا القوس أم صغر يكمل دورته في وقت بذاته، فاستخلص من ذلك قانون اضطراد (البندول).
وسنحت له الفرصة عن طريق المصادفة، فاستمع إلى محاضرة في العلوم الرياضية في بلاط الدوقية الكبير في بيزه، ومنذ هذه الساعة تعلقت نفسه بالأبحاث الرياضية فترك الجامعة ولم يستطع أبوه إرغامه على البقاء بها، وقضى سنوات مجدبة في درس العلم الجديد الذي اختاره لنفسه في حماسة فائقة، ولكنه استطاع فيما بعد أن ينال من الجامعة أجراً ضئيلاً على محاضرات في الرياضة يلقيها على طلابها.
وكان أجره من الجامعة قليلاً، ولكن تهيأت له فيها صفحة جديدة لمستقبل مجيد من أعلى برجها المائل، وتفصيل ذلك أن أحداً لم يكن ليفكر حينئذ في زعزعة عقيدة راسخة في الأذهان هي أن سرعة الأجسام الثقيلة ترجع في هبوطها إلى أوزانها، فقذيفة المدفع مثلاً تهبط أسرع مما لو هبطت ريشة. ولكن جاليليو نسب سرعة الهبوط إلى مقاومة الهواء، ودلل على صحة ذلك بأن ألقى عدة أجسام معدنية وخشبية من حجم واحد من أعلى قمة برج بيزه، وأرى العلماء أن هذه الأجسام تصل إلى الأرض في أوقات متقاربة جداً،