للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٢ - أخلاق القرآن]

العدل

للدكتور عبد الوهاب عزام

بينت قبلاً أن القرآن يريد بتعليمه الأخلاقي تحرير الإنسان من أهوائه وشهواته، وتزويد عقله بالمعرفة، ودفعه إلى العمل في معترك الحياة لخيره وخير الناس؛ ووعدت أن أتحدث عن أمهات الأخلاق في القرآن، فاليوم أبدأ الحديث بالعدل:

العدل القرآني هو العدل المطلق الشامل الذي لا يختلف بين زمان وزمان، ومكان ومكان، وأمة وأمة؛ والذي تستوي فيه نفس الإنسان وغيره، ويستوي فيه القريب والبعيد، والصديق والعدو، ويستوي فيه الرضا والغضب، والحب والبغض، والنفع والضرر. هو أن يعطي الإنسان كل ذي حق حقه في كل حين وفي كل أرض، وعلى كل حال. يقضي على نفسه بالحق ويقضي لغيره بالحق، ويعطي من يكره بالحق، ويحرم من يحب بالحق، ويعمل العمل فيه ضره إيثاراً للعدل، ويكف عن العمل فيه نفعه إيثاراً للعدل. هو أن يعترف بإحسان غيره ولا يبخس الناس أشياءهم، ويعترف بإساءته، ولا يحب أن يحمد بما لم يفعل وأن ينقاد لرأي غيره حين يتبين له أن الحق، ويسرع الرجوع عن رأيه حين يعرف فيه الباطل.

العدل القرآني أن يصرّف الإنسان أمور نفسه وأمور الناس على قانون لا عوج فيه ولا زيغ ولا استثناء ولا ظلم ولا محاباة، أن يسيّر أعماله على قانون إلهي لا تبديل فيه ولا تحويل، كالقوانين التي تسيّر: الشمس والقمر والنجوم والرياح، وتصرّف العالم كله كما يشاء الله.

يقول القرآن الكريم: (والسماء رفعها ووضع الميزان، ألا تطغوا في الميزان، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان، والأرض وضعها للأنام)، أليس في هذه الآية الكريمة إشارة إلى أن العدل الذي يأمر الله به هو قانون من قوانين الله بثّه في خليقته. فهو قد رفع السماء ووضع الميزان في خليقته، كل شيء مقدّر بقدره، وكل شيء محدود بحدوده، كما قال في آية أخرى: (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون). وكذلك أمر الله الناس أن تكون أعمالهم في هذه الأرض على هذه الشاكلة لتسقيم

<<  <  ج:
ص:  >  >>