وقد قرب هذا الدور على الأخص اليهود من العرب كثيراً. فإن دخول اليهود إلى أراض عربية بحتة والتجاءهم إليهم بعد طردهم عن أوطانهم، جعلتهم يطلبون حماية العرب. ولأجل تقريب أنفسهم من القبائل العربية تظاهروا بروابط النسب والقربى ونشروا سلسلة الأنساب المعروفة عند العرب. وحاولوا ولا شك التأثير على العرب من النواحي الأخرى، ومن النواحي الدينية ومن النواحي الثقافية؛ إلا أنهم لم يتمكنوا من التأثير في العرب من الناحية الدينية على ما يظهر، فقد كان العرب منذ القدم اعتزاز عظيم بآلهتهم وبأصنامهم، ولم يكن من السهل عليهم ترك عبادة هذه الأصنام. في حين أن اليهود كانوا يعبدون إلهاً واحداً خلق هذا الكون بأجمعه، إلا أنه إله شعب واحد هو إله إسرائيل فحسب. والظاهر أنهم لم يرغبوا في إشراك شعب آخر بعبادة هذا الرب الذي خصص نفسه بهذا الشعب.
أما من النواحي الأخرى فلم يكن هنالك مانع يحول بين اليهود وبين الشعوب الأخرى، لأن في رابطة النسب خدمة عظيمة تساعد هذه الجاليات اليهودية كثيراً؛ فنشروا الأساطير اليهودية بين العرب وعلموهم شيئاً كثيراً من أخبار التوراة، ولاسيما ما يخص الخلقة ومنشأ التكوين وقصص بني إسرائيل. يجعل جدول الأنساب الوارد في العهد القديم العرب في نفس الحقل الذي دون فيه نسب اليهود. فابراهيم هو جد العرب الأكبر كما هو جد اليهود. وإذا كان إسماعيل هو والد العرب اإسماعيليين وهو ابن إبراهيم فإن اليهود وهم من نسل إبراهيم على هذا هم أقرباء العرب وأبناء عمهم ومن شجرة واحدة.
وتنتسب بعض القبائل العربية الشمالية إلى إبراهيم رأساً. وإبراهيم على ما تقول التوراة لم يترك له خلفاً في البلاد العربية، وإنما ذهب نسله إلى تلك البلاد، وأن إبراهيم كان قد ذهب إلى فلسطين فانتشر أحفاده الذين تكاثروا وظهرت من ذرياتهم تلك الشعوب.
وإسماعيل هو ابن إبراهيم من زوجته هاجر التي تعرف عليها أثناء هجرته إلى فاران في القسم الشمالي من شبه جزيرة طور سيناء. وقد ترك إسماعيل له أثنى عشر ولداً تشعبت منهم القبائل الإسماعيلية التي انتشرت في شبه جزيرة طور سيناء وفي وادي الأردن.