في عام ١٨٤٦ قصد الشاعر الفرنسي لامرتين إلى مرسيليا لقضاء بضعة أسابيع في أحد أحيائها الهادئة، بعيداً عن متاعب السياسة وضوضائها، وكان لامرتين وقتئذ في أوج مجده الأدبي وعظمته السياسية؛ فاحتفت به أندية العلم والاجتماع في تلك المدينة البحرية، وأكرمه الأدباء والشعراء، ونظموا فيه القصائد البليغة
وفي ذات يوم ذهب لامرتين وزوجه للنزهة على ساحل البحر، فلما عاد مساء قيل له إن في الرواق المطل على الحديقة امرأة وضيعة الهيئة بسيطة الهندام تنتظر رجوعه منذ الصباح. فتوجه لامرتين إلى الرواق المذكور ليرى تلك المرأة الغريبة ويقف على حقيقة أمرها؛ وبعد أن يشاهدها ويحدثها ويصف ملامحها ونظراتها وإشاراتها بتلك الرقة الساحرة وذاك البيان الخلاب الذي اشتهر به مؤلف رواية غرازيلا ورفائيل يسألها عن الغرض من قدومها لزيارته، فتجيبه أنها خياطة في اكس، وقد قرأت رواياته ومنظوماته، وأعجبت بجمال تعابيره ورقة شعوره وسمو خياله، فلما اطلعت في الصحف على خبر قدومه إلى مرسيليا واحتفاء دوائرها الأدبية به تولدت في نفسها رغبة التعرف به والتحدث إليه، وإنها على الرغم من فقرها وخمولها تجرأت على ترك عملها والقدوم سرا إلى مرسيليا تحقيقا لرغبتها
فيتودد إليها لامرتين ويلاطفها ويقول لها أنه يشك في أنها تركت عملها وتحملت مشاق السفر يومين كاملين، وقضت معظم النهار في انتظار رجوعه من نزهته لكي تراه وتحدثه وتتعرف إليه فقط؛ بل يجب أن يكون هنالك سبب آخر لقدومها لا تريد ذكره، أو أنها لا تجرؤ على التصريح به، ولذلك فهو يسألها أن تخاطبه بحرية وتبوح له بما في قلبها من غير تكلف
فتفقد هي إذ ذاك شيئاً من خجلها واضطرابها، وتخبره أن في إكس أسرة كريمة تعرف شدة ميلها إلى المطالعة وعجزها عن شراء الكتب فتعيرها ما تقتنيه منها، فاستطاعت بذلك أن تطالع عددا كبيراً من الروايات النفسية والمنظومات الرقيعة ولاسيما رواياته ومنظوماته