الخيال - وهو القدرة على انتزاع شتى الصور من الواقع المشاهد واستحضارها في الذهن في أي وقت، والتصرف فيها على مختلف الأشكال والأوضاع - عنصر من أهم عناصر الأدب مهما اختلفت أنصبة الأدباء منه، وهو أسس التشبيهات والمجازات، ولولاه لالتزم الفكر الإنساني الواقع المتحجر أيما التزام.
وللخيال في الأدب وظائف شتى: فالخيال الصحيح يعين الأديب على إبراز الحقائق بشتى الوسائل، ويقدره على سبك موضوعه سبكاً فنياً لا شذوذ فيه، وعلى نبذ ما لا حاجة به إليه من تفصيلات قد تشوه ما هو بسبيله، ويساعده على إضفاء ثوب من الجمال على ما ينشئ.
وللخيال يد طولى في الأدب الإنجليزي؛ فالأديب الإنجليزي غزير العاطفة، إذا جاشت أطلق العنان واسترسل مع خياله، وأثار به منظر طبيعي أو غناء طائر أو ذكرى طارئة أو أثر من آثار الغابرين أو أسطورة من أساطيرهم، أو غير هذا وذاك كله، شتى الخيالات والأحلام والأطياف، وتناهت به عاطفته إلى حدود الأماني وآفاق الماضي والمستقبل، وهذا الاسترسال للخيال إذا أثارته فكرة رئيسية هو مرجع وحدة القصيدة في الإنجليزية.
وهناك عدا هذا الخيال المنبث في كل مناحي الأدب أغراض خاصة من الأدب قوامها وهيكلها الخيال، يجمع أطرافها وينهض بكيانها، ويوثق وشائجها، وهذه هي الملاحم الطوال في الشعر والقصص الممثلة أو المقروءة شعراً أو نثراً، ففي هذه لا يلتزم الأديب الواقع المجرد، بل يفترق عنه افتراقاً جسيماً، ويصوغ من شتى أفكاره وتجاريبه وأمانيه عالماً يجيش بالحياة والحركة، ويموج بالعواطف والنوازع، ويفيض بالجمال والإمتاع.
والأدب الإنجليزي حافل بهذه الضروب القائمة على أساس من التخيل المحض؛ فهناك ملاحم ملتون وهاردي، وفيها يستعرض كلٌّ من الشاعرين مشاغل عصره ويبحث آراءه وينفث لواعج نفسه؛ ومن طبيعة أشعار الملاحم أنها تعج بالمردة والجبابرة والآلهة، وتحفل بخوارق الأعمال وجسائم البطولة، وهي على رغم هذا كله لا تخرج عن عالمنا الإنساني ولا تغفل النفس الإنسانية، بل تظل نوازع تلك النفس ومشاغلها هي الهدف الوحيد الذي يرمي إليه ناظموها، إذ فيها يتخذ أولئك الأرباب والجبابرة طبائع الناس وميول الأفراد وإن