فاقو البشر قوة وعظماً، ومن هنا يتأتى للشاعر أن يبسط آراؤه في ميدان متسع وإلى مدى فسيح، فالخيال هنا لا يعدو الحقيقة، وإنما يوضحها أحسن توضيح، فضلاً عما يمتع النفس به من قصص متسق وجمال وجلال.
وفي الأدب الإنجليزي مالا يعد من قصص في الشعر أو النثر ممثلة ومقروءة. وقوام القصة بطبيعتها الخيال، وإن تراوح نصيبها منه؛ فهناك القصص الواقعية التي تلتزم الحقيقة إلى أكبر حد مستطاع وتصور المجتمع الحاضر تصويراً دقيقاً، كقصص هاردي ودرامات جالزورذي؛ وهناك القصص التي ترمي إلى أغوار الماضي وتدور حول عظيم من رجال التاريخ أو الأساطير، من طَموح يبيع نفسه للشيطان ليعينه على مطامحه، إلى دائن يتقاضى دينه من لحم غريمه ودمه، كما في روايات شكسبير ومارلو وغيرهما؛ كما أن هناك القصص التي تتطاول إلى آفاق المستقبل، وفارس هذه الحلبة ولز.
هذه الأغراض والأوضاع التي سداها ولحمتها الخيال غير ظاهرة في الأدب العربي: فلا قصص ولا ملاحم. والمقامات وأشباهها إذا زج بها في هذا المجال بدت هزيلة عجفاء تدعو إلى السخرية، فأولى بها أن تظل حيث أراد كاتبوها وقصدوا بها من غرض بعيد عن القصص. والأثر الوحيد الذي يعتد به - بل يفتخر به - في هذا الباب رسالة الغفران: ففيها من آثار الخيال ومتعاته ما لا نظير له في الأدب كله. على رغم اكتظاظها بأخبار الأدباء ومسائل الأدب والنحو.
وفضلاً عن انعدام هذه الفنون الخاصة فإن نصيب الأدب العربي عامة من الخيال ضئيل إذا قيس بنصيب الأدب الإنجليزي منه، فالأديب العربي كان شديد الحرص على الواقع يلزمه به موضوعه وأفكاره، شديد الاختصار في مقاله وتعبيره عما يحس، يعبر عن تلك الأفكار أشتاتاً كلما عنَّ له حافز إلى الكتابة، لا يدخر أفكاره ولا يربط منها حاضراً بماض، بل يرسلها على السجية أبياتاً محكمة النسج موجزة البيان. فالفكرة التي تخطر للأديب الإنجليزي فيحوك حولها قصة تربط ما يتصل بها من أفكار، وتنشئ حولها شتى الصور المنتزعة من الحياة، يكتفي الأديب العربي بصوغها في بيت شعر محكم يذهب مثلاً ثم (ينام ملء جفونه).
فكبح عنان الخيال هذا سبب انعدام القصص وكثرة الحكم والأمثال في الأدب العربي. وهو